لم يعد الملف البيئي تفصيلاً هامشيًا في دولةٍ تواجه تحديات المياه والطاقة والتغير المناخي، بل أصبح مرآة لوعي المجتمع، وميزانًا يقيس صدق الانتماء للوطن. وحين يفتح سمو الأمير الحسين بن عبد الله الثاني، وليّ العهد، هذا الملف بوضوح واهتمام مباشر، فإن السؤال لا يكون عن أهمية البيئة بقدر ما يكون عن قدرتنا كمجتمع على التقاط الرسالة وتحويلها إلى سلوك عام.
إن اهتمام ولي العهد بالبيئة لا يُقرأ كبروتوكولٍ رسمي أو مبادرة موسمية، بل كنهج دولة ورسالة واضحة: حماية الأرض حماية للإنسان، وحماية الإنسان حماية للوطن. فالنفايات التي تُلقى عشوائيًا ليست مجرد أكياس مهملة، بل قنابل صحية صامتة، وتشويه حضري، واعتداء فجّ على حق الأجيال القادمة في حياة كريمة.
الأردن، هذا البلد الشحيح بالموارد، لا يحتمل رفاهية العبث ببيئته. كل وادٍ يُلوَّث، وكل شارع يُترك فريسة للنفايات، وكل غابة تُهمَل، هو خصم مباشر من رصيد الوطن البيئي، ومن صورته الحضارية، ومن أمنه الصحي والسياحي والاقتصادي.
ما يقوده ولي العهد من متابعة ومبادرات بيئية هو نقلٌ للقضية من خانة الشكوى إلى خانة الفعل، ومن الهامش إلى صلب السياسات العامة. لكنه في الوقت ذاته يضع المجتمع أمام اختبار صريح: إما شراكة واعية ومسؤولة، أو تواطؤ بالصمت والسلوك الخاطئ.
فالبيئة لا تُحمى بالشعارات، بل بالقوانين الرادعة، وببلديات فاعلة، وبإعلام مسؤول، وبمواطن يدرك أن الشارع امتداد لبيته، وأن الوادي ليس مكبًا، وأن الطبيعة ليست بلا صاحب. لا قيمة لتوجيهات عليا إن لم تجد صداها في السلوك اليومي، ولا جدوى من حملات التنظيف إن عاد العبث في اليوم التالي.
من هنا، فإن حماية البيئة ليست مهمة وزارة ولا مسؤول بعينه، بل مسؤولية وطنية جامعة. تبدأ من الفرد، وتتعزز في المدرسة، وتُدار في البلدية، وتُصان بالقانون، وتُراقَب بالوعي العام. فالدولة التي تريد مستقبلًا مستدامًا، لا بد أن تزرع اليوم ثقافة احترام الأرض.
لقد فتح ولي العهد الملف البيئي بوضوح، وأشعل الضوء في قضية طال إهمالها. وما تبقّى علينا إلا أن نلتقط الرسالة كما يجب، لا أن نُطفئ الضوء بسلوكٍ عابر أو لامبالاة قاتلة.
فالبيئة ليست ترفًا، ولا خيارًا مؤجّلًا، ولا قضية نخبوية.