شارك رئيس الجامعة الأردنيّة الدكتور نذير عبيدات في أعمال المنتدى التعليميّ الدوليّ الثاني "التعليم الدوليّ في عالم متعدد الأقطاب"، الذي استضافته جامعة الصداقة بين الشعوب الروسيّة في موسكو، بمشاركة واسعة ضمَّت أكثر من 1100 من رؤساء الجامعات والخبراء وصنّاع القرار من نحو 40 دولة.
ويعدُّ المنتدى منصّة أكاديميّة تبحث الاستراتيجيّات الوطنيّة الداعمة للهدف الرابع من أهداف التنمية المُستدامة وتستعرض أفضل الممارسات في دول رابطة الدول المستقلّة، إضافةً إلى مناقشة مستقبل التعاون الدوليّ في التعليم والرقمنة وتطوير البرامج الأكاديميّة والتعليم الدامج، وذلك عبر جلسات تناولت سياسات التعليم في الفضاء الأوراسيّ ودور الجامعات في التنمية المُستدامة، إلى جانب جلسات شبابيّة ركَّزت على دمج الطلبة ذوي الإعاقة وتوسيع المشاركة الطلابيّة
وخلال الجلسة العامّة للخطابات الرئيسة قدَّم عبيدات محاضرة بعنوان "إشراك الطلبة في العصر الرقميّ: ابتكارات في تعزيز ارتباطهم بالقطاع الصناعيّ"، عرض فيها رؤية الجامعة في مواءمة العمليّة التعليميّة مع التحوّل الرقميّ وتعزيز صلة البرامج بسوق العمل، وفي جلسة أخرى حملت عنوان "المجتمع التعليميّ الدوليّ" قدَّم مداخلةً تناولت دور التعليم في تعزيز التنمية المُستدامة والسلام والازدهار موضِّحًا كيف تستطيع الجامعات أن تكون رافعةً للاستقرار ومولِّدةً للفرص الاقتصاديّة والمعرفيّة.
وانتقل عبيدات للحديث عن التطوير التقنيّ في الجامعات مبيِّنًا أنَّ تحديثَ البنية التحتيّة لم يعد ترفًا أكاديميًّا، وأنَّ الجامعةَ الأردنيّة رفعت قدرات الإنترنت وسِعاتها عدّة مرّات خلال الأعوام الثلاثة الماضية استجابةً للطلب المتزايد على الأنظمة الرقميّة، وأوضح أنَّ الذكاءَ الاصطناعيّ بات شريكًا مركزيًّا في إعادة تشكيل المناهج وطرائق إيصال المعرفة. مُشيرًا إلى تطبيقات تبنّتها الجامعة مؤخرًا، منها استخدام "الأفاتار" في المحاضرات لإفساح وقت أكبر للتفاعل والنقاش.
وفي سياق الحديث عن أدوات الذكاء الاصطناعيّ التوليديّ شدّد عبيدات على أنَّ خيارَ المنع لم يعد مقنعًا أو واقعيًّا، وأنَّ الجامعةَ تبنّت سياسة الاستخدام الواعي التي تشترط توثيق كلّ معلومة بمصدر علميّ موثوق، وهذا يعزّز مهارات التحقق والنقد لدى الطلبة .
وبالانتقال من الأدوات الرقميّة إلى بنية العمليّة التعليميّة تناول عبيدات محور البيداغوجيا موضِّحًا أنَّ الجامعةَ تعتمد ثلاثة أنماط تعليميّة هي الإلكترونيّ والمدمج والوجاهي؛ مع مراعاة طبيعة كل تخصّص واحتياجاته. وأشار إلى أنَّ التعليمَ المدمج يتيح آفاقًا تفاعليّة أوسع، فيما يبقى التعليم الوجاهي أساسًا في التخصّصات التطبيقيّة كالطبّ، مع إمكانيّة دعمه بمحتوى رقميّ يهيِّئ للمهارات العمليّة .
وتطرَّق عبيدات إلى التحديات التي يواجهها الطلبة في ظلّ وفرة المحتوى الرقميّ، ومنها الإرهاق الرقميّ وتشتت الانتباه، مبيِّنًا أنَّ هذه التحديات تستدعي تجديد المساقات التعليميّة باستمرار واعتماد أساليب حديثة مثل "التعلّم القائم على المشكلات"، وأكَّد أهمية ربط المحتوى بسياق الطالب الاجتماعيّ والمهنيّ وتمكينه من التواصل مع أساتذة من جامعات أخرى أو مع القطاع الصناعيّ لتوسيع مداركه العمليّة.
وأشار أيضًا إلى مسألة عدم تكافؤ الوصول إلى الإنترنت لدى بعض الفئات، مؤكِّدًا ضرورة إيجاد حلول مؤسّسيّة مُستدامة تعالج هذا التفاوت، كما دعا إلى تعزيز "الرفاه الرقميّ" عبر منح الطلبة ساعات معتمدة في المهارات الرقميّة، إضافةً إلى حماية البيانات التعليميّة والمالية، وتدريب أعضاء هيئة التدريس على الأنظمة الحديثة لضمان مواكبة التطوّر التقنيّ .
وفي جانب ريادة الأعمال أوضح أنَّ تحويلَ الأفكار إلى شركات ناشئة يتطلب اختبارًا واقعيًّا وربطًا مباشرًا باحتياجات السوق، حيثُ لفت إلى أنَّ التدريبَ الخارجيّ لمدة عام يشكّل فرصة جوهريّة لربط الطلبة بالقطاع الصناعيّ، وأشار إلى أنَّ الاستثمارَ في الشركات الناشئة الطلابيّة داخل الأردن ما يزال بحاجة إلى دعم أكبر وإجراءات أكثر تحفيزًا.
واختَتم عبيدات حديثه بالتأكيد على أنَّ التعليمَ الحديث يقوم على أربعة أعمدة أساسيّة هي فهم احتياجات الطلبة وتوافر فريق عمل مؤهل، واختيار توقيت ملائم لإحداث التغيير، واعتماد ثقافة تجريب مرنة تستفيد من الخطأ وتتعلم منه. ويرى أنَّ الجامعات التي تنجح في استشراف المستقبل ستكون الأقدر على تحويل التعليم إلى فرصة حقيقيّة لبناء غدٍّ أكثر إشراقًا بما ينسجم مع رسالة المنتدى وأهدافه .