في زمن تتسابق فيه الدول على صناعة صورة حضارية راقية، لا يزال وطننا يخسر الكثير من فرصه السياحية والتنموية لأسباب قد تبدو «صغيرة» في الظاهر، لكنها جوهرية في العمق: غياب المرافق العامة النظيفة، وخاصة الحمّامات العامة التي تحترم إنسانية الزائر والمواطن.
نحن نملك الإرث، والتاريخ، والجغرافيا، والمواقع السياحية المتنوعة، من وسط البلد إلى البترا، ومن جرش إلى البحر الميت، لكننا ببساطة نفتقر إلى شيء أساسي جدًا… مكان نظيف يمكن للإنسان أن يستخدمه دون اشمئزاز أو رهبة.
من «المضافة» بدأت الفكرة…
في المضافة التي يترأسها المفكر السياسي معالي الدكتور حازم قشوع، اعتدنا أن تُطرح القضايا السياسية والفكرية الكبرى، لكن هذه المرّة كان النقاش مختلفًا… جريئًا… بسيطًا في طرحه، عميقًا في أثره:
لماذا لا توجد في الأردن مرافق عامة نظيفة تليق بكرامة الإنسان؟
بعد زيارة قمت بها مؤخرًا إلى وسط البلد برفقة زميلاتي، كان الشعور واضحًا ومؤلمًا:
أجمل الأماكن وأكثرها حياة… بلا مرافق نظيفة.
ولا نتحدث عن «عدم وجود حمّامات» فقط، بل عن وجودها بشكل يجعل الناس يهربون منها بدل استخدامها.
وهنا يبرز السؤال الذي يتكرر في كل نزهة ورحلة ومشوار:
«هل هناك حمّامات نظيفة؟»
سؤال يبدو بسيطًا، لكنه أصبح شرطًا لتحديد من يخرج ومن يبقى في البيت، ومن يزور المكان ومن يلغيه تمامًا من قائمته.
الموضوع ليس رفاهية… بل معيار حضاري
النظافة في المرافق العامة ليست ترفًا ولا مجرد خدمة سياحية إضافية، بل هي ضرورة صحية، واحترام إنساني، وعامل اقتصادي حاسم.
كيف نتحدث عن تنشيط السياحة الداخلية والخارجية، بينما الزائر – قبل أن يقرر – يسأل عن أكثر حقّه الطبيعة بساطة؟
في دول كثيرة، تدير شركات خاصة مرافق عامة نظيفة وحديثة، برسوم رمزية، وبخدمة راقية، وبإشراف بلدي صارم.
لماذا لا نُطبق ذلك؟
هل ينقصنا المال؟
لا.
هل ينقصنا الوعي؟
بالتأكيد لا.
ينقصنا قرار… فقط قرار.
رسالة إلى صانع القرار:
لا نطلب معجزة، ولا مليارات.
نطلب فقط أن نعامل المواطن والسائح كإنسان طبيعي، وأن نكفّ عن اعتبار موضوع الحمّامات العامة شيئًا ثانويًا أو محرجًا أو «لا يليق بالكتابة عنه».
المدن لا تُقاس بجسورها وحدائقها فقط، بل بنظافة مرافقها الأساسية.
وكرامة الزائر والمواطن تبدأ من مكان بسيط… لكنه كاشف للحقيقة:
خلاصة القول:
نريد أن نتجوّل في وسط البلد دون قلق.
نريد أن نزور المواقع السياحية دون التفكير في "الخطة البديلة”.
نريد أن نخدم بلدنا لا أن نحرجه أمام ضيوفه.
نريد مرافق عامة نظيفة… لأنها ليست مطلبًا ثانويًا، بل عنوان حضارة كاملة.