في وطن تصحو فيه الجبال على صوت المؤذن وتغفو السهول على ظل الرايات ، يولد الأردني محاطاً بالمجد ، بين دفء العشيرة وشهامة الجار وهيبة الأرض التي لا تنحني إلا لله . هناك يتشكل الفرد الأردني من الكبرياء والصبر والطموح الذي يشبه الصخر ، لكنه يجد نفسه أمام امتحان دائم بين أن يظل جزءاً من القطيع أو أن يصنع لنفسه دربا مختلفاً .
المجتمع الأردني ليس مجرد تجمع بشري ، بل روح واحدة تتنفس في أجساد كثيرة ، تتألم وتفرح سوياً وتنهض حين يسقط أحدها . يعرف بعضه بعضاً حتى وإن لم يتعارف بالاسم ، يجتمع على مائدة واحدة في الأفراح والأتراح ، ويعرف أن الجار أخ ، وأن ابن العشيرة سند ، وأن الغريب ضيف .
لكن نفس النسيج الذي يملؤه الإيثار قد يجرح الفرد حين تتحول العيون إلى مراقبة ، والنصيحة إلى فضيحة ، والحب إلى مقارنة . كم من شاب نهض بفكرته فاستُهجن قبل أن يصفق له الناس ، وكم من فتاة طموحة واجهت ألف حارس يحرس التقاليد ، وكم من موظف مجتهد اختار الصمت على الصدام . هنا يظهر الجانب السلبي للمجتمع حين يضغط على الفرد ليكون نسخة مكررة لا ذاته .
في المقابل ، كم من شاب نهض من الرماد لأن أهله وعشيرته رفعوه على أكتافهم ، وكم من امرأة تحدت الظروف لأن المجتمع منحها الثقة والدعم ، وكم من طفل صنع مجداً لأن معلمه وآخرون آمنوا به . المجتمع الأردني قادر على رفع الأفراد حين يريد ، ويدمرهم حين يغفل عن دوره الإنساني .
في الأحياء الشعبية ترى رجلاً بسيطاً يفتح دكانه فيحييه الجميع ، وفي الريف نساء يجتمعن لحصاد الأرض ، وفي البادية الخيمة بيت مفتوح للجميع . هذه الصور تمنح الفرد شعوراً بأنه ابن هذا التراب الذي لا يخذل أبناءه .
الفرد الأردني يعيش بين قوتين : قوة تشجعه على أن يكون صادقاً وطموحاً ، وقوة أخرى تسحبه إلى الوراء باسم العادات والكلام الفارغ . المعركة الحقيقية هي أن يدرك الإنسان أنه جزء من المجتمع لكنه ليس عبداً له ، وأن الكلمة الطيبة تصنع أبطالاً كما يمكن للنقد الجارح أن يهدم مستقبلهم .
وسيظل المجتمع الأردني ما دام ينبض بروح الجدود ، قادراً على أن يكون الحاضن لا الحاكم ، والمشجع لا المثبط ، والناقد المحب لا الهدام . حين يختار أن ينهض بأفراده تتحول كل قرية إلى منارة ، وكل بيت إلى مدرسة ، وكل أردني إلى قصة مجد جديدة ، لأن في الأردن لا يُصنع الفرد وحده ، بل يُصنع الوطن كله معه .