عندي أمل كبير أن لقاءات نيويورك وواشنطن سوف يكون لها نتائج مهمة على أكثر من صعيد، أولها ان العمل الجماعي العربي له أهمية خاصة ووقع مؤثر على المستوى العالمي والأميركي بشكل خاص، فما قيل على السنة الزعماء العرب للرئيس ترامب مباشرة ووجهاً لوجه يقال لأول مرة لرئيس أميركي، ولمن بالتحديد؟ للرئيس الذي رهن نفسه وادارته لخدمة مشروع نتنياهو الذي أقنعه ان غزة ستصبح ملكاً له إذا منحه الأسلحة و الفرصة للتدمير والقتل والتهجير، ولكن ثمة ما يشير إلى ان ترامب الذي لا يعتد بوعوده ربما يكون قد اطلع لأول مرة من الزعماء العرب مباشرة على حقائق مخيفة عما ترتكبه إسرائيل في غزة والضفة الغربية من فظائع، فما وصله من معلومات عن مجريات الحرب سمعها من نتنياهو ومن مستشاريه المتواطئين مع الاحتلال وحكومة المتطرفين في تل ابيب ومن سفير بلاده في إسرائيل الذي يتحدث باسم بنغفير وسموتريتش ويخاطب العالم على انه عضو في حكومة الحرب الإسرائيلية .
لن نتعجل في التفاؤل بما يتم تسريبه من معلومات من كواليس اللقاءات العربية الأميركية ، ولن نثق بتصريحات المسؤلين الاميركيين الذين سارعوا لبث بعض الامل الزائف كي يتردد صداه في عالمنا العربي ونتداوله على انه واقع ويشغلنا عن المحرقة في غزة ويعطي نتنياهو وحكومته الارهابية الفرصة لمواصلة الجريمة، ثم نستفيق على خديعة تحبط الامال وتعيدنا إلى المربع الأول الذي لا زلنا نتخبط فيه، وبعد ذلك تعود إدارة ترامب لإطلاق يد نتنياهو لكي ينهي العمل كما طالبه ترامب من قبل .
نتنياهو سيذهب إلى واشنطن وليس لديه سوى مخطط واحد في هذه المرحلة، محو ما زرعه القادة العرب في عقل ترامب وبعد ذلك تجديد الترخيص الممنوح له كي يستكمل الجريمة التي بدأها بمباركة أميركية، ودعونا لاننسى ما قاله براك المبعوث الأميركي إلى سوريا ولبنان من انه لن يكون هناك سلام في هذه المنطقة ابداً، والغريب ان المبعوث القادم كي يبحث في إمكانية السلام والاستقرار يبوح بسر عن مؤامرة استراتيجية متفق عليها بين الولايات المتحدة وإسرائيل،فلا سلام أبداً وانما حروب مستمرة تستنزف قدرات دول المنطقة وتضمن تبعيتها للولايات المتحدة بما فيها من خيرات تسلب بشكل او بآخر، وأسواق مفتوحة للأسلحة الأميركية المتخلفة عما تحصل عليه إسرائيل بعشرين سنة على الاقل.
لكننا بامس الحاجة إلى بصيص أمل وهذا ما يدفعنا الى التفاؤل بالرغم من تراكم التشاؤم وتوجسنا خشية من انقلاب ترامب على وعوده وأقواله التي لم يلتزم بها حتى الان ولا مرة واحدة، ورغم حذرنا فأننا اليوم مجبرون على انتظار الأمل من اكبر مصدر للتشاؤم.
نعم،لا فرصة لنا إلا بالعمل لتحقيق هذا الأمل والعمل من أجله مع من يصعب العمل معهم، وإقناع من هم متورطين مع إسرائيل في حروبها على شعوبنا، ليس من مسار غير هذا المسار وما من خيار غيره ، وما دام الأمر كذلك اذاً على العرب والمسلمين الاستفادة من زلة إدارة ترامب وارتكابها لخطأ استراتيجي بجمع العرب على طاولة واحدة، مما يعني اعترافاً ان القضية الفلسطينية وحرب غزة هي قضية عربية واحدة بل وإسلامية في بعض جوانبها الأمر الذي تحاشته الإدارات السابقة حرصاً على جعل القضية الفلسطينية منفصلة ومعزولة تماماً عن الشأن العربي كي يتسنى لإسرائيل فعل كل شيء من تقتيل وتدمير وتهجير لشعب عربي معزول عن عروبته.
لعل العرب يدركون بعد الان ان فرصة تحقيق أي شيء في مواجهة إسرائيل تقتضي العمل جماعة وبموقف وطلبات وشروط واضحة موحدة تعلن وجهاً لوجه للأميركيين، وفي مرحلة لاحقة وضع المصالح المشتركة مع (الأصدقاء ) الاميركيين على طاولات الحوار الذي يجب ان يبقى عربياً أميركياً في الشؤون التي تخص الامن والسلام والسيادة واستقرار منطقتنا .الدستور