الإعلام الأردني لم يكن يومًا مجرد وسيلة لنقل الخبر أو تسلية المستمع، بل نافذة لصناعة الوعي وترك بصمة راسخة في الذاكرة الجمعية. ومن بين الأصوات التي جسدت هذا الدور البالغ الأثر، يبرز الإعلامي عصام سعيد العمري، الذي شكّل على امتداد أكثر من أربعة عقود رمزًا للتميّز والإتقان في الإذاعة الأردنية.
عبر رحلته المهنية، كان العمري صوتًا رائدًا لا يُنسى، نقل من خلاله رسائل هادفة وأثرى المشهد الإعلامي المحلي بدءًا من الإذاعة الأردنية وصولاً إلى إذاعة أمن إف إم.
وُلد عصام العمري في 23 أيار 1955 في العاصمة الأردنية عمان. تلقّى تعليمه الأساسي والثانوي في مدارس العاصمة، ثم اتجه إلى التعليم العالي حيث حصل على دبلوم عالٍ في الإحصاء الحيوي عام 1977 من إحدى الجامعات الأردنية، بتقدير جيد. ورغم أن تخصصه العلمي كان بعيدًا عن مجال الإعلام، إلا أن شغفه باللغة والصوت والمحتوى الإذاعي قاده نحو مجال مختلف تمامًا، حيث واصل دراسته لاحقًا ليحصل على بكالوريوس في اللغة العربية من جامعة بغداد عام 1988، بتقدير جيد جدًا، مما عزز أدواته اللغوية والفكرية كمحاور ومعد ومقدم برامج.
بدأ عصام العمري مسيرته الإعلامية رسميًا في عام 1978، عندما انضم إلى الاذاعة الأردنية. ومنذ ذلك الحين، أصبح صوتًا مألوفًا لكل من استمع إلى الراديو الأردني، مشاركًا في تقديم البرامج الحوارية والندوات الإذاعية والبرامج الوثائقية.
امتاز العمري بقدرة نادرة على إجراء الحوارات بلباقة وثقافة، وتمكنه الكبير من إدارة النقاشات جعل منه الخيار الأول في نقل المناسبات العالمية والعربية الرسمية عبر الأثير،حيث شارك في تأليف البرامج التدريبية، وكتب في أساليب التدريب الإعلامي، وطور طرق إدارة البرامج أثناء الأزمات والمناسبات الخاصة، مما جعله مرجعًا في العمل الإذاعي المهني.
ومن خلال دوره كمحاضر ومدرب في مركز التدريب الإذاعي والتلفزيوني التابع لمؤسسة الإذاعة والتلفزيون، ساهم العمري في تدريب وتأهيل أجيال جديدة من الإعلاميين الأردنيين، ناقلًا إليهم خبراته في التقديم، الإعداد، والقياس الجماهيري.
بلغ مساره الإذاعي ذروته بتسلمه منصب كبير المذيعين في المؤسسة، ونال تكريمات عديدة، منها جائزة الموظف المتميز لعام 2005، ولقب أفضل مذيع عربي لعام 2006، مما يعكس مكانته واحترامه الواسع على الصعيدين المحلي والعربي.
في 1 آب 2006، بدأ عصام العمري فصلًا جديدًا من مسيرته الإعلامية حين تولى إدارة إذاعة الأمن العام – "أمن إف إم"، وهي إذاعة ذات طابع أمني توعوي تأسست لتكون صلة الوصل بين جهاز الأمن العام والمجتمع.
خلال فترة إدارته، لعب العمري دورًا محوريًا في تحويل الإذاعة إلى منصة وطنية مسؤولة، تجمع بين الرسالة الأمنية والبعد الإنساني. قام بتطوير المحتوى الإذاعي ليواكب احتياجات الجمهور، وركز على تعزيز الثقة بين المواطن ورجل الأمن من خلال برامج حوارية وتوعوية تمس الحياة اليومية.
من أبرز إنجازاته في هذه المرحلة تسليط الضوء على الشرطة النسائية في الأردن، وكتابة مقالة مؤثرة بعنوان "سيلفيا" نُشرت في صحيفة الدستور، تحدث فيها عن دور الإذاعة في إبراز هذا التطور النوعي في جهاز الأمن العام، مؤكّدًا أهمية الإعلام في كسر الصور النمطية وإبراز الإنجازات.
مع انتشار جائحة كورونا في الأردن، كان الحزن شديدًا حين أعلن عن وفاة عصام العمري في تشرين الثاني 2020 متأثرًا بإصابته بفيروس كورونا. وقد فجعت الأوساط الإعلامية الأردنية بهذا الخبر، حيث نعاه زملاؤه وتلاميذه وأبناء مؤسسات الإعلام الرسمي بكل ألم ووفاء.
ترك عصام العمري إرثًا إعلاميًا غنيًا، لا يُقاس بعدد البرامج التي قدّمها فقط، بل بعمق الأثر الذي تركه في تطوير الإذاعة الأردنية ورفع مستوى المحتوى الإذاعي، وتقديم نموذج يُحتذى به في الإعلام المسؤول، الملتزم، والمهني.
سيبقى اسمه حاضرًا بين أعلام الإذاعة الأردنية، وصوته محفورًا في ذاكرة كل من أحب الراديو وأصغى إليه بشغف.