المرحوم الدكتور داوود الوادي المناصير… من مقاعد الطفولة إلى منابر الإعلام صداقة سبع وخمسين عاماً تختصرها دمعة وابتسامة، في كل زاوية من قرية أم عبهره حكاية ترويها ابتسامة صديق الطفولة داوود خليل.
الإعلامي الدكتور داوود خليل الوادي المناصير "أبو راشد"، من أعلام الإعلام الأردني، عمل محرراً ومندوباً للأخبار، ثم رئيس تحرير، وتقلد منصب مدير القناة الرياضية الأردنية، كما شغل إدارة دائرة التخطيط والعلاقات الدولية في مؤسسة الإذاعة والتلفزيون.
كانت له مساهمات بارزة في إعداد وتخطيط البرامج السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ومثل الأردن في اتحاد إذاعات الدول العربية، وهو عضو في نقابة الصحفيين الأردنيين. ترك بصماته المهنية الواضحة كما ترك أثراً طيباً في قلوب كل من عرفه.
لكن عندي، يبقى داوود رفيق الطفولة وزميل الدراسة في مدرسة أم عبهره، حيث عشنا أجمل أيام البراءة والشقاوة. كانت دراستنا تمتد إلى الطرقات وتحت الأشجار في ربوع الصهاه والبليم ووادي الشتاء والبحاث، وكانت علاقتنا مليئة بالشقاوة والتحالفات الطفولية، التي كثيراً ما كانت تنتهي بعقاب جماعي من خالي المرحوم أبو محمد أو والدي – رحمه الله – حيث كان العقاب مسؤولية جماعية: العم، والخال، والجار، والمختار، والوجيه، كلهم يشاركون في التربية والضبط، وكان أهلنا يرحبون بذلك بعكس ما نراه اليوم.
لا أنسى مواقفنا الطريفة، ومنها يوم قررنا أن نذهب لحضور عرس المرحوم محسن، وبينما كنا نستعد، علمنا من شقيقي المرحوم عبد الله أن أحد أساتذتنا لا أذكر اسمه، موجود في العرس، فما تجرأنا على إكمال المهمة، وتراجعنا بخطوات سريعة ملؤها الخوف والضحك في آن واحد.
كنا نجمع ما تيسر من حبوب القمح "البيادر" لنبيعها، ثم نتوجه سوياً إلى سينما الحمرا في وسط البلد، رحلة بسيطة لكنها كانت متعة العمر بالنسبة لنا.
لم يكن في قريتنا نوادي أو مقاهي أو ألعاب أو هواتف خلوية، وكان كل لقاء بيننا يحمل دفء الضحك وروح البراءة. وكان جزء من لقائنا يتم أمام عيادة أم عبهره، التي هدمت مؤخراً وأُعيد بناؤها بمبادرة رجل الأعمال المهندس زياد المناصير، عندما قام بهدم مسجد ام عبهره واعادة بنائه ، لتصبح اليوم مركزاً صحياً في الطابق الارضي من المسجد ، أو نلقي أمام بقالة سليمان الرشيد، أو بقالة المرحوم أبو إبراهيم البلوي. او بقالة المرحوم ابو العبد مقابل مدرسة أم عبهرة
كان داوود – رحمه الله – صديقاً صادقاً، ضحوكاً بطبعه، محباً لأصدقائه، باراً بوالديه، عطوفاً على شقيقاته، وصاحب سمعة طيبة وعلاقات اجتماعية راسخة.
رحمك الله يا داوود، وأسكنك فسيح جناته، وجعل ما قدمته في ميدان الإعلام وفي ميدان الصداقة والإنسانية في ميزان حسناتك.
ستبقى ذكراك عميقة في قلبي، شاهدة على زمن الطفولة والشباب، وعلى صداقة صافية لا يبهت ألقها برحيل أصحابها.