تشير القراءات السياسية والعسكرية، إلى أن الولايات المتحدة الأميركية، فاعل مركزي بتيسير مشروع ضم أجزاء من الضفة الغربية، وذلك بتوفير غطاء سياسي لا لبس فيه لكيان الاحتلال الصهيوني، والترويج لشرعية تحركاتها دبلوماسيا.
ويبدو أن الدعم الأميركي، لم يقتصر على الجانب السياسي، بل شمل أيضا ممارسات حربية وضغوطا دبلوماسية ملموسة في الإقليم لاحتواء ردود الأفعال العربية المتوقعة، خصوصا مع انعقاد قمة الدوحة العربية الإسلامية اليوم، بما ينسجم مع الحفاظ على مصالح واشنطن الإقليمية، وتعزيز مكتسبات الكيان.
وتوضح أطروحات سياسيين وخبراء، بأن الرؤية لمستقبل الصراع، تقوم على تغييب خيار الدولة الفلسطينية لصالح كيانات محلية صغيرة، تديرها زعامات عشائرية، مع احتمال ارتكاب جريمة التهجير القسري بحق أعداد كبيرة من الفلسطينيين لدول مجاورة.
وتقترن هذه التصورات، باستمرار العمليات الحربية للكيان في قطاع غزة، والتي ينظر إليها كعامل حاسم لتمرير مشروع ضم الضفة سياسيا وضمان نجاح هذه العملية الاحتلالية.
في المقابل، يواجه الاحتلال تصاعدا في الضغط الدبلوماسي، كما يظهر في القرارات الأممية والعربية المتتالية، وهو ما يعمق من عزلته الإقليمية والدولية، ويدفع الولايات المتحدة للتدخل بقوة في مسعى منها لإعادة ضبط مسار الصراع وتخفيف التصعيد.
ضوء أخضر أميركي
الباحث والمحلل السياسي د. عامر السبايلة، أكد أن الموقف الأميركي حاسم وواضح في هذه القضية، مشيرا إلى أن ما جرى على الأرض، لم يكن ليحدث لولا وجود "ضوء أخضر" من واشنطن. مضيفا بأن تصريحات السفير الأميركي في كيان الاحتلال، تصب جميعها في اتجاه تهيئة الأجواء لشرعنة هذه الخطوات، وصولا لطرح عملية الضم في الضفة الغربية والقدس الشرقية، ضمن الأعراف الدبلوماسية.
وأوضح السبايلة، بأن تلك التصريحات عكست بوضوح أن الولايات المتحدة، مهدت لمنح غطاء سياسي للكيان، باعتبار الضم استحقاقا يمكن له المضي فيه.
وأردف قائلا "ما صدر عن السيناتور روبيو، وغيره، لا يبدو مفاجئا، بل يعكس خطوات اتخذت في ظل تفهم أميركي ودعم واضح من واشنطن".
أميركا والكيان: لا للدولة الفلسطينية
رئيس الجمعية الأردنية للعلوم السياسية د. خالد شنيكات، بين أن موقف إدارة ترامب، يتسم بوضوحه التام في تأييد مشروع الضم، مؤكدا أن واشنطن تتوافق مع حكومة الاحتلال الصهيوني على مختلف التفاصيل المتعلقة بضم الضفة. مضيفا بأن هذا التوافق، يعكس تنسيقا سياسيا مشتركا، ما يجعل مسألة الضفة بالنسبة للولايات المتحدة محسومة لصالح الضم، دون أي اعتبار لقيام دولة فلسطينية مستقلة.
وبيّن شنيكات، أن السيناريو الأقرب- وفقا لما يخطط له- قديتمثل بإنشاء كيانات فلسطينية صغيرة تدار عبر شيوخ العشائر والمخاتير، مع احتمال تهجير مئات الآلاف من الفلسطينيين إلى الأردن. موضحا بأن هذا المخطط، هو ما تسعى واشنطن وتل أبيب لتنفيذه قريبا، شريطة استكمال ما وصفه بـ"سحق غزة"، بحيث يرى بأن استمرار العمليات الحربية في غزة، تهدف لتمهيد الطريق أمام الاحتلال لتنفيذ مشاريعه السياسية دون عوائق.
وأشار إلى أن رئيس الوزراء الصهيوني المتطرف بنيامين نتنياهو وحكومته اليمينية، يتعاملان مع الملف الفلسطيني في غزة، باعتباره مدخلا لحسم نهائي مع حركة المقاومة الإسلامية- حماس، وهو ما يفسر- بحسب قوله- الضربات التي امتدت لأطراف إقليمية متعددة، من حزب الله في لبنان وسورية إلى إيران والعراق وحتى الدوحة، في محاولة لتثبيت معادلة جديدة، تخدم مصالح الكيان.
وشدد شنيكات "قد ينجح هذا المشروع بالفعل، لكن نجاحه أو فشله، يبقى رهنا لمدى صمود الشعب الفلسطيني على أرضه، وقدرة الدول العربية على اتخاذ موقف حاسم وموحد لا يقبل المساومة، ويؤكد الثوابت العربية، فالمخاطر الراهنة لا تمس الفلسطينيين وحدهم، بل تشكل تهديدا حقيقيا لبقاء دول المنطقة وأنظمتها".
شرعنة الضم جوهر التحركات الأميركية وقال الخبير العسكري والإستراتيجي نضال أبوزيد، إن زيارة وزير الخارجية الأميركي إلى المنطقة لا تعد استثناء أو حدثا منفصلا، إذ تتزامن مع وجود قائد القيادة الوسطى الأميركية الجنرال مايكل كوريلا، ما يشير إلى أن واشنطن دفعت بثقلها العسكري والدبلوماسي في آن واحد. موضحا بأن الهدف الأساسي لهذه التحركات يتمثل باحتواء الاندفاعة العربية حيال البيان المرتقب صدوره عن قمة الدوحة.
وأضاف أبوزيد، أن مسألة "شرعنة الضم" تبدو جوهرية في هذا السياق، مبينا أن الولايات المتحدة تسعى لمنح الاحتلال غطاء سياسيا، يسمح لها بضم أجزاء من الضفة، وفي الوقت نفسه، تعمل واشنطن على الموازنة مع دول المنطقة التي تربطها بها مصالح إستراتيجية. واعتبر أننا أمام مرحلة "مقايضات سياسية"، قد تمنح فيها الاحتلال شرعية ضم مناطق محددة من الضفة، مقابل القبول بمبادرة عربية قد تفرضها القمة بدعم وضغط أميركي. مشيرا إلى أن التطورات الأخيرة تضع الاحتلال في موقف دبلوماسي صعب، لافتا إلى أنها تعرضت خلال أسبوع واحد لـ3 ضربات متتالية: الأولى عبر تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة على قرار ذي صلة، والثانية بقرار صادر عن مجلس الأمن، يدين انتهاكات الكيان بحق دولة قطر، والثالثة، يتمثل في القرار المحتمل بأن يصدر عن القمة.
وقال أبوزيد إن هذه الخطوات مجتمعة، تعمق عزلة الاحتلال، وتزيد من أزمته إقليميا ودوليا. مؤكدا أن الولايات المتحدة جاءت للمنطقة عبر أدواتها الحربية والدبلوماسية لإنقاذ الكيان الصهيوني من هذا "الحصار الدبلوماسي"، ومحاولة نقل الصراع من حالة المواجهة المباشرة إلى مسار التهدئة.الغد