في واحدة من أبرز محطات الصراع مع الكيان الصهيوني، واجه الأردن بقيادة المغفور له جلالة الملك الحسين بن طلال موقفاً تاريخياً عام 1997 عندما حاول عملاء الموساد اغتيال القيادي الفلسطيني خالد مشعل على الأراضي الأردنية باستخدام مادة سامة. العملية التي نفذها عنصران من ستة يحملون جوازات سفر كندية، فيما احتمى أربعة آخرون داخل سفارة الكيان في عمّان، اعتبرها الملك الحسين اعتداءً سافراً على السيادة الأردنية وتحدياً صارخاً لمعاهدة السلام الموقعة بين البلدين.
الملك الحسين لم يتردد في اتخاذ موقف صارم؛ فقد أمهل قادة الكيان حتى منتصف الليل لإرسال المصل المضاد لإنقاذ حياة مشعل، ملوحاً باقتحام السفارة واعتقال العملاء الأربعة إن لم يُنفذ الطلب. وبالفعل، رضخ الكيان وأرسل المصل قبل انتهاء المهلة، لتنجو حياة خالد مشعل بعد يومين من تلقي العلاج.
لم يتوقف الموقف الأردني عند هذا الحد، بل رفع الملك سقف المواجهة وطالب بالإفراج عن الشيخ أحمد ياسين و50 أسيراً فلسطينياً مقابل تسليم العملاء الستة. تحت ضغط الموقف الأردني الموحد والتهديد بوقف العمل بمعاهدة السلام، استجاب الكيان وأطلق سراح الشيخ أحمد ياسين ومن معه، في صفقة اعتُبرت انتصاراً للإرادة الأردنية ودعماً صريحاً للقضية الفلسطينية.
اليوم، وبعد مرور عقود على ذلك الحدث، يستحضر الأردنيون والعرب هذا الدرس في كيفية التعامل مع الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة. فالموقف الحازم لجلالة الملك الحسين رحمه الله أكد أن الدفاع عن السيادة والكرامة الوطنية هو خط أحمر لا يقبل المساومة، وأن لغة القوة والضغط هي الوحيدة التي يفهمها هذا الكيان المارق.
ما أحوجنا اليوم إلى موقف عربي موحّد، يعيد الاعتبار للكرامة الوطنية والقومية، ويضع حداً لسياسات الاعتداء والتغوّل على دولنا، خاصة بعد أن تجرأ الكيان مؤخراً على استهداف أكثر من ست عواصم عربية في يوم واحد. إن التاريخ يثبت أن إرادة الشعوب وقوة الموقف السياسي قادرة على كبح جماح العدوان متى ما وجدت قيادة شجاعة ترفض الخضوع وتصر على حماية السيادة مهما كان الثمن.