لم يعد مشهد المراهقين وهم يصرخون في الحفلات الغنائية، أو يزينون دفاترهم وملفاتهم الشخصية بأسماء مطربيهم المفضلين، أمرًا غريبًا في مجتمعنا. ومع تزايد هذه الظاهرة، تتصاعد التساؤلات بين الأهالي والمختصين حول مدى تأثير الفنانين على أبنائهم، وما إذا أصبح المطرب بمثابة قدوة بديلة عن الأسرة والمدرسة.
وفي مقابلات مع عدد من الأهالي، أشاروا إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي وفرت منصة متاحة للمراهقين لمتابعة تفاصيل حياة نجوم الفن اليومية، ما ساهم في تعميق تعلقهم بهم. وقالت أم لثلاثة أبناء: "أحيانًا أشعر أن ابني يعرف حياة المطرب أكثر مما يعرف تفاصيل بيته، وهذا يقلقني بشأن توازن اهتماماته".
ويؤكد مختصون في علم الاجتماع أن المراهق في هذه المرحلة العمرية يسعى لإيجاد هوية وانتماء، وقد يجد في الفنان نموذجًا يعكس أفكاره ومشاعره. كما أن الأغنية قد تتحول إلى وسيلة للتعبير عن الأحاسيس الداخلية، خاصة في ظل ضعف الحوار الأسري أو غياب التواصل البنّاء بين الآباء والأبناء.
وتتفاوت أساليب التعبير عن هذا التعلق، من تقليد الملابس وتسريحات الشعر، وصولًا إلى الدفاع المستميت عن الفنان عبر المنصات الرقمية، أو الانغماس في متابعة آخر أعماله وأخباره. ويعتبر بعض الخبراء هذه الممارسات سلوكًا طبيعيًا ضمن مراحل النمو النفسي، بينما ينظر إليها آخرون على أنها مؤشر على حاجة المراهق لتوجيه أفضل نحو بدائل ثقافية وأخلاقية أكثر إيجابية.
ويشير البعض إلى أن هذا التعلق المتزايد قد ينعكس على القرارات اليومية للمراهق، بما في ذلك اختياراته في الدراسة، والهوايات، والعلاقات الاجتماعية، ما يضع تحديًا إضافيًا أمام الأسر والمدارس للاضطلاع بدور فاعل في التوجيه والإرشاد.
ويبقى التساؤل الأساسي: هل هذه ظاهرة طبيعية مرتبطة بالمرحلة العمرية، أم أنها انعكاس لخلل في التربية، يجعل الأبناء ينجذبون بقوة إلى الفنانين بدل القدوات الحقيقية؟ وما مدى استعداد المجتمع والأسرة للتصدي لهذا التحدي بمناهج تربوية وإرشادية فعّالة؟