عندما تمر الأوطان بظروف اقتصادية صعبة، ويشتد فيها الضغط بسبب ضعف السيولة، وتباطؤ النمو، وارتفاع معدلات البطالة والفقر، فإنها تبحث عن أي نافذة أمل تعيد الثقة وتحرك عجلة الاقتصاد. ومن أهم هذه النوافذ الانفتاح على الاستثمارات الخارجية، وعقد المؤتمرات التي تجمع أصحاب القرار مع أصحاب رأس المال.
وقد كان لي شرف حضور مؤتمر رجال الأعمال الأردني – السعودي بدعوة كريمة من أحد رجال الأعمال السعوديين. دخلت المؤتمر محمّلاً بالأمل، مؤمناً أن اللقاء بين بلدين شقيقين، يجمعهما التاريخ والجغرافيا والمصير المشترك، يمكن أن يكون نقطة تحول كبرى نحو مستقبل أكثر إشراقاً.
لكن، ويا للأسف، ما شاهدته لم يكن بمستوى الطموحات. كنت أتوقع أن يكون الأردن حاضراً بكل ثقله، أن يُعرّف عن نفسه بلغة عربية مؤثرة تُخاطب القلب والعقل، أن يقدّم صورة واثقة عن موارده وفرصه ومكانته. غير أن العرض التقديمي والفيديو التعريفي جاءا بلغة باردة، بلغة الآخر، في حين أن الأصل أن يكون بصوتنا نحن، وبكلمات تحمل روح الوطن وحرارة الانتماء.
جلست بين الحضور كمراقب، ورأيت كيف كان الوفد السعودي يترقب فرصاً حقيقية. أكثر من 120 رجل أعمال سعودي حضروا، يمثلون استثمارات تُقدّر بعشرة مليارات ريال على أقل تقدير. جاؤوا بعقلية الشراكة لا المنافسة، أرادوا أن يكونوا شركاء لنا في الأسواق، لا أن يزاحمونا فيها. جاؤوا ليكملوا ما نملكه بما يملكون، ويصنعوا معنا جسوراً للتعاون والتكامل.
لكنهم – ويا للحسرة – لم يجدوا ما يلبّي تلك التطلعات. لم تكن هناك لقاءات ثنائية كافية، ولا جلسات حوار حقيقية، بل مجرد خطابات عامة، بعضها شخصي بعيد عن لبّ الموضوع. كان الأجدر أن نفتح أمامهم أبواب القطاعات الواعدة، ونقدّم أرقاماً واضحة وخططاً مدروسة، لكننا قدّمنا شكليات لا ترقى إلى مستوى ما يستحقه بلدنا وما يتوقعه أشقاؤنا.
وفي المقابل، حين جاء دور الوفد السعودي ليعرض فرص المملكة، لمست معنى الاحتراف بأم عيني. لم يطيلوا الخطاب، لم يغرقوا في التفاصيل المملة، بل فتحوا أمامنا نافذة رقمية تفاعلية: رمز QR على الشاشة قادنا مباشرة إلى منصة وزارة الاستثمار السعودي، حيث كل شيء مرتب وواضح ومتجدد. هذه البساطة في العرض عكست احترافاً عالياً وثقة كبيرة بقدراتهم على اقتناص الفرص وفتح الأسواق. في المقابل، نحن في الأردن لم ننجح حتى في تسلق منتصف الشجرة للوصول إلى الثمار، واكتفينا بعرض تقليدي لا يليق بمستوى الطموحات.
ولم يخطر ببالي في تلك اللحظة إلا صورة جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين، الذي لم أرَ في حياتي أذكى ولا أشجع ولا أجرأ منه في تقديم الأردن كبلد يحمل في طياته الكثير من الفرص. كم أتمنى لو يتحلّى رجال الدولة ولو بنسبة 20% فقط من القدرات والإمكانيات التي يمتلكها جلالته في تمثيل الأردن. لقد أتعبنا الوطن وأتعبنا الملك، وأرهقنا بلدنا بعدم قدرتنا على اختيار أو تمكين الأشخاص المناسبين الذين يمثلون الأردن حق تمثيل في مثل هذه المحافل.
رجال الأعمال السعوديون لم يأتوا ليستمعوا إلى قصص شخصية أو خطابات رسمية جوفاء، بل جاؤوا بعقول مفتوحة ودفاتر شيكات جاهزة لإبرام اتفاقيات ومذكرات تفاهم تُترجم إلى مشاريع واقعية. لقد حضروا بعيداً عن الشكليات، ونحن للأسف قدّمنا لهم شكليات وخطابات لا تسمن ولا تغني من جوع.
ومع ذلك، لم أفقد الأمل. على العكس، شعرت أن ما حدث يجب أن يكون جرس إنذار إيجابياً لنا. لا عيب أن نخطئ، لكن العيب أن لا نتعلم. إذا أردنا أن نحصد ثمار مثل هذه المؤتمرات، فعلينا أن نستعد من الآن، أن نرتقي بمستوى خطابنا، أن نستخدم أدوات العصر الرقمية، أن نُظهر للعالم أن الأردن بلد الفرص والإمكانات.
إن رجال الأعمال لا ينتظرون الكلمات، بل ينتظرون أفعال الرجال. وما زال أمامنا متسع من الوقت لنبرهن أن الأردن قادر على أن يكون شريكاً حقيقياً، لا متلقياً سلبياً. فلنحوّل دروس هذا المؤتمر إلى طاقة للعمل، ولنُثبت أن ما غاب اليوم يمكن أن يشرق غداً، إذا ما اجتمعت النية الصادقة مع التخطيط المحترف.