في صباح السابع عشر من شباط عام 2003، دخلت كلية الأركان العراقية لحظة مفصلية وهي تستضيف مؤتمرها العلمي الأول، بالشراكة مع جامعة بغداد. كان المشهد جديدًا على المؤسسة العسكرية: مزيج من البحث الأكاديمي والفكر العسكري، محاولة لمدّ جسر بين عالمين ظلا طويلًا متوازيين. بدا المؤتمر، للوهلة الأولى، تتويجًا لمسيرة أكاديمية عريقة امتدت لعقود.
لكن المفارقة التاريخية كانت أقوى من كل الطموحات. فما إن أُسدل الستار على أعمال المؤتمر في 18 شباط، حتى داهمت البلاد الحرب في آذار، ليغدو ذلك المؤتمر – على أهميته – الأول والأخير في سجل الكلية، شاهداً على زمن توقفت عنده عقارب التطوير.
وفي خلفية هذا الحدث، كانت الكلية تشهد سلسلة تغييرات تنظيمية غير مألوفة. ففي منتصف عام 2002 صدر قرار بفصل الدفاع الجوي عن الجناح الجوي، وإنشاء جناح مستقل ترأسه العميد الركـــن عدنان سرحان روبيتان. خطوة أثارت نقاشًا واسعًا؛ إذ رأى كثيرون أن التكامل بين القوة الجوية وطيران الجيش والدفاع الجوي كان عنصر قوة، وأن الفصل قسّم وحدة كانت تمنح التعليم العسكري بعده المتكامل.
لم تكتمل التجربة كما أريد لها. فقد أُلحقت مجموعة من طلاب دورة الأركان المشتركة (69) بالجناح الجديد، لكن اندلاع الحرب حال دون إكمالهم للدراسة، فانقطع طريقهم عند منتصفه، تاركين فراغًا في برامج الإعداد العسكري. وإلى جانب ذلك، ظل مقترح ضمّ طلاب طيران الجيش إلى الجناح البري لفصل دراسي واحد مجرد فكرة مؤجلة لم تجد طريقها إلى التنفيذ، بعد أن غطّت سحب السياسة والاضطراب سماء البلاد.
وفي 18 شباط 2003، التُقطت صورة جماعية جمعت رؤساء أجنحة الكلية: جناح التدريب والتنسيق، الجناح البري، الجناح الجوي، وجناح الدفاع الجوي المستحدث، إلى جانب نخبة من مدرسيها. قد تكون تلك آخر صورة جماعية للكادر الأكاديمي للكلية قبل أن تبتلعها عاصفة الحرب. ومع مرور السنين، لم تبقَ مجرد لقطة أرشيفية؛ بل تحولت إلى شاهد صامت على اليوم الأخير من حياة أكاديمية كانت نابضة، وعلى لحظة التقاء نادرة بين العسكر والأكاديميا العراقية.