على مدى عقودٍ من الزمن، ظلّت دائرة المخابرات العامة الأردنية ميداناً للفخر الوطني، ورمزاً للصمود، ودرعاً واقياً من سهام الفوضى والخراب التي حاولت أن تخترق حدود هذا الوطن. ومع ذلك، لا يزال بين الحين والآخر من يحاول عبر حملات التشويه والاتهامات الباطلة أن ينال من صورتها ويشكك في دورها. لكنّ الحقيقة أعمق من أن يغيّرها ضجيج، وأرسخ من أن يحرّكها وهم. فالمخابرات العامة ليست مجرد مؤسسة أمنية عابرة، بل هي عقل الدولة وذاكرتها، وجهازها الذي يحرس حاضرها ويصون مستقبلها. إن الذين يطلقون سهامهم نحو هذه المؤسسة، يظنون خطأً أنهم يهاجمون جهازاً بعينه، بينما هم في الحقيقة يطعنون في صمود وطن بأكمله. فالمخابرات العامة لم تكن يوماً جهازاً منعزلاً عن الشعب، بل كانت ولا تزال جزءاً من نسيج الدولة، تستمد قوتها من ثقة الأردنيين بها، وتستمد شرعيتها من رسالتها في حماية الكيان، وضمان أمن المواطن، وصون استقرار البلاد. وكل محاولة لتشويه صورتها إنما هي انكسار معنوي لمن أطلقها، ودليل على خوائه الفكري، وانه لا بريد الخير للأردن.
لقد أثبتت التجارب العاصفة التي مرت بالمنطقة أن هذه المؤسسة كانت وما تزال بمثابة البوصلة التي أنقذت سفينة الوطن من الغرق في بحار الفوضى. فبينما اشتعلت الحروب في الإقليم، وتصدعت دول، وانهارت جيوش، ظل الأردن، بفضل وعي قيادته ويقظة أجهزته وفي مقدمتها المخابرات العامة، واحةً للأمان، وصوتاً للعقل، ونموذجاً للاستقرار. ولو لم يكن لهذه المؤسسة وجود فاعل، لكان وطننا عرضةً للاختراق، ولكان أمنه لقمة سائغة في أفواه العابثين. فالمخابرات العامة ليست جهازاً يكتفي بردّ الفعل، بل هي جهاز يبادر ويستبق. هي عقل يقرأ ما وراء الأحداث، ويرسم خطط المواجهة قبل أن تقع الكوارث. إنها مؤسسة تمتلك بصيرة نافذة، ويداً لا ترتعش حين يتعلق الأمر بحماية الوطن. فهي التي تصدت للإرهاب، وأفشلت المخططات التي أرادت تحويل الأردن إلى ساحة للفوضى، وحمت أمنه الاجتماعي من أنياب الطائفية والمذهبية، وصانت وحدته الوطنية من كل اختراق.
ولمن يتوهم أن حملات التشويه قادرة على النيل من مكانة هذه المؤسسة، نقول: لقد جُرِّبت كل الوسائل، من مؤامرات صاخبة إلى شائعات خبيثة، لكنها جميعاً اصطدمت بوعي الأردنيين أولاً، وبصلابة المؤسسة ثانياً. فالمخابرات العامة لم تُبنَ على فراغ، بل على تضحيات رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، على دماء شهداء، وعلى سهر عيونٍ لم تُغلق حتى تنام عيون الأردنيين آمنة مطمئنة. إن الذين يحاولون تشويه صورة المخابرات العامة، يفضحون أنفسهم دون أن يشعروا. فمن يعادي حارس الوطن، إنما يعادي الوطن ذاته، ومن يطعن في عينٍ ساهرة، إنما يحاول أن يُعمي نفسه قبل أن يُعمي الآخرين. لكن هيهات أن ينجحوا، فهذه المؤسسة ليست جداراً هشّاً، بل هي حصن فولاذي، لا تهزه الكلمات ولا تضعفه الشائعات.
المخابرات العامة، في جوهرها، هي الضامن لاستمرار الدولة، والدرع الذي يحفظ سيادتها، والسيف الذي يردع أعداءها. هي مؤسسة بحجم وطن، وذاكرة بحجم تاريخ، ووعي بحجم المستقبل. ولولاها، لما كان الأردن على ما هو عليه اليوم: ثابتاً كالجبل، صامداً كالسيف، محروساً بعين الله ثم بجهد رجاله الأوفياء. فليقولوا ما يشاؤون، ولينسجوا من الأكاذيب ما استطاعوا، سيبقى الأردن عصياً على الكسر، وستبقى مخابراته العامة صخرة تتحطم عليها المؤامرات، وعيناً لا تنام، وسيفاً لا ينثني. فهي ليست مجرد مؤسسة، بل هي عنوان كرامة الدولة، ورمز قوتها، وحكاية وفاء لا تنتهي.