في مدينة الرمثا، على أطراف سهل حوران المفتوح على الجمال والبساطة، وُلد الإعلامي عدنان عبد الكريم الزعبي عام 1948، في لحظة كانت فيها البلاد تخطو بثبات نحو الاستقلال، وكانت الكلمة في طور التشكل كقوة وطنية. فقد والده في حادث سير أثناء رحلة الحج، ولم يكن قد أتم عامه الثاني بعد.
مارس الزعبي كرة القدم بشغف في المدرسة، وانضم لاحقًا إلى نادي الرمثا الرياضي كلاعب عام 1966، قبل أن يُنتخب لاحقًا عضوًا في مجلس إدارة النادي أكثر من مرة، محافظًا على صلته العضوية بمسقط رأسه.
أنهى الزعبي دراسته الثانوية عام 1972، وكانت بوصلته واضحة: الأدب واللغة. فانتقل إلى دمشق والتحق بجامعة دمشق، حيث درس اللغة الإنجليزية وآدابها وتخرج فيها، مزودًا بثقافة عميقة وانفتاح لغوي على العالم.
ما إن عاد إلى الأردن حتى أعلنت الإذاعة الأردنية عن حاجتها لمذيعين ومحررين. تقدم عدنان للامتحان واجتازه بنجاح، ليبدأ رحلته المهنية من قلب مؤسسة الإعلام الرسمي عام 1972. وبعد ستة أشهر، التحق بدورة مذيعين متخصصة، فكان الأول على دفعتها، ما أهّله للابتعاث في دورة مهنية متقدمة في هيئة الإذاعة البريطانية BBC في مجال الإخراج والإنتاج الإذاعي، امتدت أربعة أشهر، وشكلت له أساسًا تقنيًا ومعرفيًا متينًا في العمل الإعلامي.
كان الزعبي من الجيل الثالث في الإذاعة الأردنية، وقد تتلمذ على يد كبار الإعلاميين الأردنيين والعرب، من بينهم: معاذ شقير، سليمان المشيني، عائشة التيجاني، محمود الشاهد، طارق مصاروة، جبر حجات، وسلامة محاسنة وغيرهم.
مع استحداث قسم جديد للبرامج الإخبارية على يد مدير الإذاعة آنذاك مروان دودين، عُيّن الزعبي في هذا القسم وبدأ بتقديم شريط الأنباء اليومي، وبرنامج "حدث الأسبوع"، وهي برامج نقلت الإذاعة إلى مرحلة أكثر مهنية واحترافًا، حيث كان القسم يتعامل مع مراسلين في عواصم دولية مهمة مثل: باريس، لندن، موسكو، بون، وواشنطن، إلى جانب عدة عواصم عربية.
مع تولي الاعلامي عبد السلام الطراونة إدارة الأخبار، أصبح عدنان الزعبي رئيسًا لقسم البرامج الإخبارية، إلى جانب تقديمه نشرات الأخبار وبرامجًا متميزة مثل: :حدث الاسبوع"،"الساعة الثالثة"، "شراع النغم".
عام 1975، انتقل الزعبي إلى التلفزيون الأردني، ليصبح أحد أبرز مذيعي نشرات الأخبار، واستمر في تقديم البرامج الإذاعية بالتوازي. في التلفزيون، قدّم برامج ثقافية وخدمية ووثائقية، لعل أبرزها:
"لقاء الاثنين"، وهو من أوائل البرامج السياسية الحوارية.
وثائقي عن البترا بالتعاون مع التلفزيون الإسباني، تُرجم إلى عدة لغات.
الجامعة المفتوحة، إنتاج مشترك مع BBC، قدّم مع الإعلاميين جمان مجلي وسلامة محاسنة أكثر من 200 حلقة.
بفضل مهنيته العالية وثقته لدى صانع القرار، رافق عدنان الزعبي الملك الحسين بن طلال ثم الملك عبد الله الثاني في العديد من الزيارات الرسمية الخارجية، ومؤتمرات القمة العربية، مؤدّيًا دورًا وطنيًا في النقل الإعلامي المباشر، من أبرزها تغطيته المؤثرة لوصول الملك الحسين من رحلة علاجه عام 1998، التي تابعها الأردنيون بشغف ودموع.
عام 1996، تم تعيينه مديرًا للمحطة الفضائية الأردنية، فشهدت القناة في عهده نهضة لافتة، وقدّم برامج نوعية مثل:
"من عمان مع التحية" (إعداد وتقديم: إخلاص يخلف ومحمد الوكيل)
نال عمل الفضائية إعجاب الملك الحسين، الذي اتصل من مستشفى مايو كلينك ليشيد بالمستوى الراقي الذي ظهر به الإعلام الرسمي.
في عام 2000، تم تعيينه أمينًا عامًا لوزارة الإعلام بالوكالة، وكان آخر من شغل هذا المنصب قبل إلغاء الوزارة. ثم أُحيل إلى التقاعد مؤقتًا، ليُعاد استدعاؤه عام 2011 كـمدير عام لمؤسسة الإذاعة والتلفزيون الأردنية.
خلال تلك الفترة، أطلق الزعبي خطة تطوير شاملة للنهوض بالمؤسسة، تضمنت وضع برنامج لتحديث الأجهزة والمعدات لمواكبة الثورة الرقمية. ورغم أن عملية التحديث لم تُنفّذ خلال ولايته، إلا أنه كان صاحب الفكرة والمبادرة، ومهندس الإطار العام لهذا التحول التقني والإداري.
خلال فترة توليه منصب المدير العام لمؤسسة الإذاعة والتلفزيون الأردنية عام 2011، شهدت المؤسسة نقلة نوعية على مستوى المحتوى والبرامج، حيث أُطلقت برامج بارزة شكّلت قفزة في الخطاب الإعلامي، من أبرزها:
"اللقاء الثالث" (تقديم: جهاد المومني)
"يا طير" (إعداد وتقديم: عامر الصمادي)
وقد أسهمت هذه البرامج في استعادة ثقة الجمهور، وتقديم محتوى جاد ومعاصر يلامس الشأن العام بلغة إعلامية جديدة.
وبعد تقاعده من العمل الرسمي، تولّى منصب مستشار إعلامي في مجمع اللغة العربية الأردني، حيث أشرف على الإذاعة التابعة له، مواصلًا دوره في تعزيز المحتوى الإعلامي الهادف ضمن سياق معرفي ولغوي.
اقترن الزعبي بالإعلامية جمان مجلي، وشكّلا ثنائيًا إعلاميًا وإنسانيًا فريدًا. كان منزلهما بمثابة بيت للثقافة والإعلام، وغالبًا ما تحول إلى ورشة نقاش وتفكير في قضايا المهنة، يجمع الأصدقاء والزملاء والصحافيين.
ما يُميز تجربة عدنان الزعبي هو تكامل أدواره: فقد كان المذيع والمحرر، المدير والمخطط، الشاهد والمؤرّخ. عاش في قلب الأحداث، وكان صوته أول ما يسمعه الأردنيون في اللحظات الفارقة. لم يكن حياديًا في انتمائه للوطن، لكنه كان نزيهًا في ممارسته لمهنة الإعلام، يوازن بين متطلبات الدولة وحق الناس في المعرفة.
لقد كان عدنان الزعبي، على مدى أربعة عقود، الصوت الموثوق والصورة الرصينة، وصانع أثر عميق في الإعلام الأردني، سيبقى جزءًا من ذاكرة وطن، ومن تاريخ إذاعة وتلفزيون ما زالا يبحثان عن أمثاله.