في بادية الجنوب، حيث تمتد الرمال بلا نهاية، وتنبت الكلمة على كفّ الكرامة، هناك رجل ارتبط إسمه بالجفر ... إنه الشيخ عواد منسي أبو تايه، سليل قبيلة الحويطات، ووريث مجدٍ بدأ منذ عهد الثورة العربية الكبرى ، واستمر نبضًا في عروق الوطن .
ولد الشيخ عواد منسي أبو تايه على أرضٍ تُنجب الفرسان وترويهم من نبع الأصالة نشأ في مضارب العشيرة، مستظلًا بخيمة الشهامة، ومتربّيًا على رُكَب العزّ والمروءة لم يكن مجرّد شيخٍ خادم لقومه ووطنه ، بل كان قلبًا نابضًا في جسد العشيرة، ولسان صدقٍ في مجالس الكبار.
الشيخ في ديوانه : صدرٌ مفتوح وقلبٌ ممتد
في كل صباح، كان مجلسه عامرًا بالقادمين من كل حدب وصوب اهل واصدقاء وجهاء، شيوخ، شباب، كانوا يعرفونه بكرمه َطيبته وفزعته ونخوته ورجولته لم تكن ضيافته تقاس بطول المائدة، بل بعمق التقدير، فلم يُعرف عنه أنه ردّ سائلًا، أو أغلق بابه في وجه محتاج.
الشيخ في الميدان: داعمٌ للتراث، حافظٌ للهوية
آمن الشيخ عواد منسي أبو تايه بأن الهوية ليست محفوظة في الكتبٍ فقط، بل تُحيا في العادات والتقاليد العشائرية الأردنية العريقة وما ارتبط بها من السباقات الهجن ، والخيول، والسامر، وتربية الصقور ، ورقصات السيوف لذلك تنادى لدعم مهرجان الجفر، لم يكن مجرد راعٍ مالي أو بإسمه ، بل كان حاضرًا بجسده وكلمته وعزيمته في كل فعالية بدوية، كانت خطاه تسبق صوته، وصوته يسبق الحفاوة به كان يدرك أن الأرض التي لا تحتفى بثقافتها، تُنسى.
الشيخ الأب: قلبٌ يفرح بثمرة الغرس
في يوم تخرّج ابنه "أبو فيصل" من الجامعة الأردنية بدرجة الدكتوراه، لم يحتفل كأي أب، بل جعلها مناسبة وطنية، جمعت الأحباب من الأردن والسعودية حيث غنّت فرقة القضاة للسامر، ورقصت الخيول، وتزيّنت الجفر كأنها عروس يومها، لم يكن الشيخ يفتخر بدرجة أكاديمية فقط، بل برحلة كفاح نقلها من جيلٍ إلى جيل.
الشيخ المُكرَّم: شهادة لا تُشترى
وحين جاء درع "فرسان الإنسانية" من أكاديمية حقوق الإنسان، لم يُضف وسامًا على صدره، بل أكّد ما يعرفه الناس عنه أنه رجل موقف، ورجل حكمة، ورجل عطاء حضر المكرّمون من كل الأطياف، ووقفوا إحتراما له، كما يقف كالنخيل شامخًا رغم الرياح.
الصقر... رفيق الروح وظلّ الفارس
لم يكن الصقر عند الشيخ عواد منسي أبو تايه مجرد طائر جارح، بل كان رفيقًا للروح، وسرًا من أسرار البادية في ساعات الفجر الأولى، حين تسكن الريح وتتهيّأ الأرض لصمتها الأبدي، كان الشيخ يخرج بصقره إلى الفلاة، لا يصطاد فرائسه فقط، بل يصطاد لحظات الصفاء والنقاء.
عرف كيف يربّي الصقر، وكيف يثق به، وكيف يُنزل عليه من روحه، حتى صار الطائر يعود إليه من بين السهول والجبال، كأن بينهما عهدًا قديمًا لا يُنقض وفي مجالس العشيرة، كان الناس يتحدثون عن مهارته في تدريب الصقور، وعن رحلاته التي كانت تتوّج بالنجاح دائمًا، لا لحظّه فقط، بل لِما ورثه من معرفة وفراسة الصقر عنده رمزٌ للحرية، كما هو رمزٌ للقوة والوفاء.
الشيخ عواد منسي أبو تايه ليس سيرة تُروى فحسب، بل هو مدرسة قائمة في احترام الذات، والوفاء للعشيرة، والانتماء للأرض.
هو امتدادٌ لرجل الثورة الشيخ عودة أبو تايه، لكنّه بحد ذاته، كان ثورةً على النسيان، وبيانًا أن الكرامة لا تنتهي بموت الرجال، بل تُورّث وتُخلّد.