شاكر حداد، أحد أعمدة الإعلام الأردني، لم يكن مجرد مذيع، بل كان مدرسة في الأداء، وموسوعة في الطرح، وضميرًا حيًا في صناعة الكلمة المسموعة. صنع حضوره بصمت لا بضجيج، فشكّل جزءًا من ذاكرة المستمع، وبنى جسور الثقة بين الإذاعة والجمهور، ليغدو اسمه علامة فارقة في تاريخ الإذاعة الأردنية
ولد شاكر حداد في قرية حوارة بمحافظة إربد، وقد ترعرع في قريته التي حملت ملامح الريف الأردني الأصيل، وتشكل وعيه المبكر على القيم المجتمعية والبيئة القروية المتماسكة. درس في مدرسة حمزة بن عبد المطلب في مدينة إربد، وأكمل الثانوية العامة هناك، ثم انتقل إلى دمشق لمتابعة دراسته الجامعية، حيث حصل على ليسانس في التاريخ، تخصصًا يعكس شغفه بالثقافة والهوية العربية.
وعن دراسته، أشار في لقاءات سابقة إلى أنه أكمل دبلومين في الجامعة الأردنية أثناء عمله في الإذاعة الأردنية، وقد كانت هذه المؤهلات بمثابة ماجستير في الإعلام من حيث المحتوى والخبرة الأكاديمية.
رغم أن دراسته الأكاديمية لم تكن في الإعلام، إلا أن صوته المميز، وحضوره المتزن، ووعيه الثقافي، قادوه سريعًا إلى المايكروفون.
بدأ شاكر حداد عمله في الإذاعة الأردنية عام 1972، في زمن كانت فيه الإذاعة هي المصدر الأول للأخبار والثقافة والتوجيه المجتمعي. بدأ كمذيع، ثم أثبت حضوره ليترقى في عدة مواقع مهنية، منها:
منتج إذاعي
رئيس البرامج الخاصة
مساعد مدير البرامج
مدير الإنتاج
كبير المذيعين
وقد تنوعت برامجه بين الحوار، والثقافة، والسياحة، والمسابقات، وكان من أبرز ما قدم:
"اللقاء المفتوح": برنامج حواري مباشر مع الناس.
"الأردن السياحي": برنامج يعكس التنوع الجغرافي والثقافي للأردن.
"ستوديو المسابقات": ترفيهي تفاعلي بث على مدى سنوات طويلة.
تميز حداد بلغة فصحى سليمة، وصوت رخيم مفعم بالثقة، وحس وطني عالٍ، جعله من أكثر الأصوات قربًا لقلوب الأردنيين.
حرص شاكر حداد على تطوير مهاراته المهنية، فالتحق بعدة دورات إعلامية دولية مرموقة:
دورة في هيئة الإذاعة البريطانية BBC عام 1976، حيث اطلع على تقنيات البث والإعداد المتقدمة.
دورة في هولندا عام 1986، تعمق خلالها في الإنتاج البرامجي والتخطيط الإذاعي.
وقد ساعدته هذه الخبرات على إحداث نقلة نوعية في أسلوب العمل داخل الإذاعة الأردنية، كما نقلها لاحقًا إلى الجيل الجديد من الإعلاميين.
لم يتوقف حداد عند العمل الإذاعي الرسمي، بل ساهم عام 2009 في تأسيس إذاعة الجامعة الأردنية، كأول إذاعة جامعية أردنية تربط الإعلام بالتعليم الأكاديمي.
أصبح مديرًا تنفيذيًا للإذاعة، وقدم عبرها تجربة إعلامية متميزة، تهدف إلى تدريب الطلبة، وتقديم محتوى معرفي ومسؤول، مع المحافظة على هوية إعلامية رصينة.
نال حداد احترامًا رسميًا وشعبيًا، وكان من الإعلاميين القلائل الذين تلقوا اتصالات شخصية من الملك الحسين بن طلال – رحمه الله – تقديرًا لجهوده وصوته الصادق في الإعلام الوطني.
وقد ظل طوال مسيرته يعبّر عن نبض الناس، ويواكب همومهم دون انفعال أو ادعاء، بل بلغة متزنة ومسؤولة.
إلى جانب الإعلام، يشغل شاكر حداد منصب رئيس جمعية أصدقاء الشرطة، وهي جمعية تهدف إلى بناء جسور الثقة بين رجل الأمن والمجتمع، وتعزيز ثقافة القانون والمسؤولية المشتركة.
بعد تقاعده، لم يغب عن المشهد الثقافي، وظل يُدعى لإلقاء المحاضرات، وتقديم المشورة، وتدريب الإعلاميين الشباب، كما بقي مرجعًا مهنيًا وأخلاقيًا.
شاكر حداد ليس فقط صوتًا إذاعيًا، بل ذاكرة وطنية ناطقة، قدم نموذجًا للإعلامي المثقف، المتزن، الملتزم بقضايا وطنه وشعبه، الذي يرى في الكلمة رسالة، وفي الصوت مسؤولية.
قليلون من استطاعوا أن يجمعوا بين الأداء الإعلامي المتميز، والرؤية الثقافية العميقة، والخبرة الإدارية الرصينة. شاكر حداد واحد من هؤلاء القلائل. مسيرته لا تروى فقط، بل تُدرّس.
لقد علّمنا أن الصوت لا يكون جميلًا إلا إذا كان صادقًا، وأن الإعلام ليس صخبًا بل عقلًا، وأن الحضور الحقيقي لا يحتاج إلى ضوء، بل إلى أثر لا يُمحى.