نؤمنُ جميعًا بوجودِ الشيطان وندركُ تمامًا قدرته على إغواءِ البشرِ ودفعهم نحوَ الخطايا والذنوب الكبرى. ومع ذلك، لا عاقل – مهما بلغت ذنوبهُ عنانَ السماواتِ – يمدُّ يدهُ لمصافحتهِ أو يمجدهُ بكلمةٍ واحدة. من يفعل ذلك يكون قد خان فطرته وخرج من ملةِ الإيمان، وانحاز لعدو البشرية الأول.
فالشيطانُ ابتلاءٌ للبشر، وواجبُ الإنسانِ أن يقاومه ويلعنه، لا أن يتحالف معه أو يمنحه منزلةً أو مكانةً.
وبالمقياس نفسه، إسرائيل في جوهرها لا تختلف عن الشيطان في عدائها للإنسانية؛ كيانٌ وُلد من رحم الشر، شُيِّدت أركانه على سفك الدماء والاغتصاب والسرقة والتهجير القسري. كيانٌ لا يعرف التفاهم ولا يؤمن بتسويات عادلة، لا يفهم إلا لغة القوة ولا يحترم سوى السلاح. إنها الشيطان المعاصر في أرضنا المقدسة، وعداؤها للشعب الفلسطيني و"للأغيار" كما تصف بقية شعوب العالم، ليس وجهة نظر سياسية، بل حقيقة وجودية.
واجبنا التاريخي والإنساني والديني يفرضُ علينا مواجهةَ هذا الشيطانِ ودحرَه بالقوةِ حيثما وُجد، لا أن نصافحه أو نصفه بالدولة الجارة.
أوروبا لفظتهم… وفلسطين ابتُليت بهم
الأوروبيون الذين احتضنوا المشروعَ الصهيوني ودعموه في فلسطين المحتلة، لم يمنحوا اليهود يومًا اعترافًا أو سلامًا. فقد لفظتهم أوروبا عبر القرون وأجبرتهم على الرحيل من أوطانها، ليس فقط بدافع ديني أو عرقي، بل بسبب أفعال خسيسة أثارت نقمة الشعوب عليهم: استغلال المال بالربا، نشر الرذيلة، وإشعال الفتن والحروب من أجل السلطة والثروة.
وحين عجز الغرب عن احتوائهم، قرر تصديرهم إلى الشرق، إلى قلب أرض كنعان، ليُلقي عبء تاريخه علينا نحن، ويُحوّل أزمته إلى ابتلاء مزمن يجثو فوق صدورنا. وهكذا، كان الشعب الفلسطيني – ولا يزال – الضحية الأولى والأخيرة لذلك القرار.
شرعنة للغاصب.. لا سياسة ولا نضال
أحد أخطر الأخطاء التاريخية بحق الشعب الفلسطيني هو منح جزءٍ من فلسطين للكيان الإسرائيلي، خطيئة يتحمل وزرها مرتكبوها بكل أبعادها التاريخية والإنسانية. لقد مثّل هذا القرار عملية استعمارية مُشرعَنة بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
الاعتراف الفلسطيني بإسرائيل ليس سياسة ولا نضالًا… ولا يمكن أن يحمل أي وصفٍ مشرف. إنه طعنة في خاصرة القضية، وخيانة لا تليق بشعب قدّم مئات آلاف الشهداء. إنه شرعنة لكيانٍ غاصبٍ شُيّد على أنقاضنا، وفوق جماجم شهدائنا وأشلاء أطفالنا. إنه خطيئة كبرى، تعادل مدّ اليد للشيطان نفسه. وكما لا يُصافَح الشيطان مهما زيّن الباطل وأغوى الضعفاء، لا يُصافَح الاحتلال، ولا يُمنح صكّ غفران على جريمة اغتصاب فلسطين… كل فلسطين.
ومن المؤلم أن نسمع تصريح السيد محمود عباس، رئيس السلطة الفلسطينية، حين قال: "إسرائيل دولة جارة ونرغب في صناعة السلام معها."
يا سيد عباس، إن كانت إسرائيل جارة لك شخصيًا، فهي ليست جارة للشعب الفلسطيني. إنها كيان مجرم وُلد من مأساتنا، واحتل أرضنا المقدسة، وعاث فيها فسادًا. ومن يمدّ لها يده، إنما يمدّها فوق دماء الشهداء، ويبيع حق الأجيال القادمة في الحرية والتحرير … بثمن بخس اسمه "سلام".
فلسطين… من البحر إلى النهر
الحقيقة الثابتة التي لا تقبل التأويل هي أن فلسطين، من البحر إلى النهر، أرض الشعب الفلسطيني وحده. لا قوة في العالم قادرة على محو هذه الحقيقة، ولا اتفاق أو معاهدة يمكن أن يبرر سرقة الأرض وتهجير أهلها.
لقد أثبت التاريخ أن الشعوب التي تناضل من أجل حقوقها تنتزع حريتها مهما طال الزمن. وبناءً على هذا، نؤمن إيمانًا راسخًا بأن فلسطين لا تقبل القسمة على اثنين، وأن الاحتلال إلى زوال مهما بلغت قوته.
سنواصل النضال بكل الوسائل المشروعة حتى تحرير كامل التراب الفلسطيني، وإعادة الأرض لأصحابها الحقيقيين. طريق الأحرار طويل، لكنه لا يعرف التراجع…
لن نغفر… لن نساوم… لن نعترف.
ومن يمدّ يده للشيطان، تحترق يده معه…
نحن أبناء هذه الأرض، وسنبقى شوكةً في حلق كل غاصب، حتى نرى علم الحرية يرفرف فوق القدس الشريف… وفوق كل شبر من أرض فلسطين المباركة.