رغم الغصّة التي تسكن الحناجر منذ اشتدّ الألم في غزة، ورغم الاعتراضات المعتادة التي تطفو كل عام على سطح الرأي العام حول توقيت مهرجان جرش، فإن الحقيقة لا يمكن حجبها:
الأدب حاضر، والشعر حي، والكلمة ما زالت تقاتل، ترمّم، وتضيء.
تابعتُ عن كثب فعاليات مهرجان جرش لهذا العام، وما أثار إعجابي بعمق ليس فقط حسن التنظيم والتنوّع، بل الحضور اللافت للمنتديات الثقافية، ولعل أبرزها اتحاد الكتّاب والأدباء الأردنيين، الذي كان له دور محوري في ترسيخ قيمة الكلمة كوسيلة للمقاومة والبقاء.
حينما وقف الشعراء على منصات جرش، لم يكن غياب غزة عنهم ممكنًا. كانت فلسطين في النصوص، في الإيقاع، في الحروف المشبعة بالوجع والصمود.
وكأننا نستحضر محمود درويش حين قال:
"على هذه الأرض ما يستحق الحياة.”
فالكلمة حين تخرج من قلبٍ مثقل بالقضية، تصبح طلقًا لا يُخرَس.
ومثلما كانت ريشة ناجي العلي لا تُرسَم إلا لتُشهِر سلاحها في وجه الظلم، كذلك كان الشعراء في مهرجان جرش؛ لا يحتفلون بقدر ما يصمدون بطريقتهم.
فهم يدركون أن الغناء الموزون، والشعر المقفّى، قد يكونان تعبيرًا عن الحزن، بقدر ما هما تمسّك بالحياة في وجه الموت المجاني.
إن مقاومة الاحتلال لا تكون فقط بالبندقية، بل بالكلمة التي تُحرّض، وتُذكّر، وتُلهب الذاكرة.
الفنانون والشعراء اعتلوا المنصات لا ليُطربوا فقط، بل ليقولوا: "نحن هنا… نعيش رغم كل شيء”.
ومن هنا، لا بد من توجيه الشكر والتقدير:
•أولًا، إلى حضرة صاحب الجلالة الهاشمية الملك عبد الله الثاني ابن الحسين المعظم، صاحب الرعاية والمظلة الملكية التي نعتز بها، وراعي النهضة الثقافية الأردنية، والذي ظلّ صوته الداعم للثقافة والمثقفين حاضرًا في كل ميدان.
•وإلى معالي وزير الثقافة مصطفى الرواشدة، رئيس اللجنة العليا لمهرجان جرش، على رعايته الصادقة ودوره الأصيل في دعم الحراك الثقافي وإيمانه العميق بأن الكلمة لا بد أن تبقى حاضرة رغم العواصف.
•وشكرًا للأستاذ عليان العدوان، رئيس اتحاد الكتّاب والأدباء الأردنيين، على دوره الريادي في تعزيز الحضور الثقافي والفكري الأردني.
•والشكر موصول إلى المبدع أيمن سماوي، الذي أثبت أن إدارة مهرجان جرش ليست مجرد ترتيب لفعاليات، بل بناء وطني يعزز الهوية والانتماء والوعي الثقافي.
في النهاية،
كل من يعبّر عن فلسطين بالكلمة، بالصوت، بالصورة أو بالإيقاع، هو مقاتل من نوع آخر.
والذين وقفوا هذا العام في مهرجان جرش ليقدّموا الفن والأدب، كانوا – بكل تأكيد – على الجبهة الثقافية للمقاومة.