لطالما شكّلت العشائر الأردنية الركيزة الصلبة لبناء الدولة الحديثة، وأسهمت عبر التاريخ في حماية الوطن وتعزيز وحدته الوطنية والاجتماعية. فقد كانت وما زالت مهدًا للقيم والمبادئ التي رسّخت الانتماء والولاء، وأسهمت في تماسك النسيج الاجتماعي وتحصينه أمام التحديات.
في صلب المسيرة الوطنية، وقفت العشائر الأردنية إلى جانب القيادة الهاشمية منذ البدايات، مؤمنة بمشروع الدولة وبالرسالة الهاشمية في بناء وطن آمن، مزدهر، ومستقر. وكان لها دور بارز في إرساء دعائم الأمن المجتمعي، وحل النزاعات، وتعزيز لغة الحوار والتفاهم، مما جعلها شريكًا أصيلاً في حفظ السلم الأهلي ودرعًا منيعًا في وجه الفتن.
ولا يمكن الحديث عن حاضر العشائر دون التوقف عند المحطات الوطنية التي تؤكد هذا الدور المستمر والمتجدد. من أبرز هذه المحطات، اللقاء الوطني الذي عُقد مؤخرًا في ديوان الشيخ خالد الحياري "أبو حديثة" في مدينة السلط، بحضور مستشار جلالة الملك لشؤون العشائر وعدد من وجهاء وشيوخ العشائر من مختلف محافظات المملكة.
هذا اللقاء لم يكن مجرد مناسبة اجتماعية، بل محطة وطنية جامعة، تمثّل ترجمة فعلية لروح التشاور والتكامل بين القيادة والعشائر، وتجديدًا للعهد على أن العشائر ستبقى السياج المنيع للوطن، والحاضنة الصلبة للثوابت الوطنية.
تناول اللقاء مجموعة من القضايا الوطنية الهامة، منها ترسيخ الهوية الوطنية الجامعة، وتعزيز الأمن المجتمعي، والتأكيد على أن العشائر ليست كيانًا تقليديًا فحسب، بل شريك فاعل في بناء المستقبل.
وما يميز العشائر الأردنية أنها لم تكن يومًا في تقاطع مع الحياة السياسية أو الحزبية، بل كانت حاضرة بتوازنها ورصانتها، تحترم التعددية، وتحتضن التنوع، وتضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار. وحتى في بعدها المناطقي، أثبتت العشائر أنها ليست كيانًا منغلقًا، بل كانت دومًا عنصرًا فاعلًا في المشاريع التنموية والخدمية، منخرطة في خدمة المجتمع، ومؤمنة بأن التنمية تبدأ من المواطن ولأجل المواطن.
فالعشائر ليست مجرد مكون اجتماعي، بل هي القلب النابض في جسد الوطن، وركيزة لا بد أن تكون حاضرة في كل مشهد وطني، بكل ما تحمله من حكمة وتجربة وعمق اجتماعي وثقافي، يجعل منها عنصرًا لا يُستغنى عنه في مسيرة البناء والنهضة.
إن العشائر الأردنية ليست مجرد إرث ثقافي أو تقليد اجتماعي، بل مدرسة وطنية تخرّج فيها أجيال تربّت على حب الوطن، وخدمة أبنائه، والدفاع عن مبادئه. ومن خلال اللقاءات الوطنية، تتجلى وحدة الموقف والهدف، وتتجدد العهود، وتصان الثوابت، ليبقى صوت العشيرة صوت الوطن، ونبضها هو نبض الأردنيين كافة، في ظل القيادة الهاشمية الحكيمة.