في زمن العولمة والانفتاح، لم تعد الشفافية خياراً، بل أصبحت ضرورة تفرضها طبيعة العصر وتطور أدوات الاتصال.
وفي هذا السياق، يُعد فتح قنوات التواصل مع المواطنين أحد أهم معايير الحكم الرشيد والإدارة الناجحة.
لكن عندما يُغلق المسؤول هذه القنوات، فهو يعلن ـــ بشكل غير مباشر ـــ رفضه للعمل الحقيقي، مكتفياً بما يصله من ملاحظات من دائرة ضيقة من المقربين في بيئة العمل.
إغلاق قنوات التواصل لا يعني فقط الانعزال عن الناس، بل هو أيضاً تجاهل متعمد لمشاكلهم الحقيقية، وإهمال للملاحظات التي قد لا تجد طريقها إلى المكتب الرسمي، لكنها تعيش في الواقع وتؤثر على حياة المواطنين يومياً.
فالمسؤول الذي لا يسمع إلا من حوله، يتلقى صورة منقوصة، وربما مشوهة، عن حقيقة ما يجري.
وهذا النمط من الإدارة لا يمكن أن يُنتج حلولاً حقيقية، لأنه ببساطة لا يرى المشكلة من الواقع.
لقد ولّى زمن المكاتب المغلقة والقرارات الصادرة من أبراج عاجية.
نحن في عصر يستطيع فيه المسؤول أن يكون على بُعد ضغطة زر من الناس، يستمع إليهم من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، يتلقى الملاحظات والشكاوى عبر التطبيقات الذكية، ويتحسس نبض الشارع بشكل مباشر دون وسيط.
فلماذا إذًا يختار "البعض" العزلة والاعتماد فقط على تقارير مكتبية قد تُجمّل الواقع أو تُخفي ما لا يُراد رؤيته؟
وهنا تبرز قيمة "المسؤول الكويس" ــ ذاك الذي لا يكتفي بالمكتب والكرسي، بل يؤمن أن أبواب المسؤولية الحقيقية تُفتح من الميدان، ومن الاحتكاك المباشر بالمواطنين.
هو من يرد على الهاتف، ويتابع الشكاوى، ويتفاعل بصدق مع الناس، ويعتبر أن رضاهم هو أولى مؤشرات النجاح، لا مجرد نسبة على ورق.
المسؤول الناجح هو من ينزل إلى الميدان، يجلس مع الناس، يستمع إليهم، يرصد الملاحظات ويتقبل النقد بصدر رحب، ويشاركهم رحلة الحل، ولا يُمليها عليهم من موقع السلطة فقط. فالمواطن ليس عبئاً على المسؤول، بل هو البوصلة التي تحدد الاتجاه الصحيح لأي عمل إداري ناجح.
إن إغلاق قنوات التواصل لا يدل إلا على عدم الرغبة في العمل الجاد، وهو مؤشر خطير على غياب الشفافية وتراجع الثقة بين الناس ومؤسساتهم.
وإذا كان المسؤول فعلاً يسعى إلى الإصلاح والتطوير، فإن أول خطوة عليه أن يتخذها هي أن يفتح قلبه وأذنه قبل بابه، وأن يتواصل مع الناس لأنه منهم، ولأجلهم وُجد في موقعه.