* "ليس مجرد مال… بل مشروع اختراق سياسي وأمني تصدّت له المخابرات العامة بحزم لا يرحم"
* "من وعاء التبرعات إلى خزائن المؤامرة... المخابرات العامة تضع اليد على أخطر ملف تمويل تنظيمي"
للكاتب والمحلل الأمني د. بشير الدعجه
في واحدة من أقوى الضربات الأمنية التي وُجّهت لتنظيم محظور داخل الأردن منذ عقود... فجّرت دائرة المخابرات العامة مفاجأة من العيار الثقيل... بكشفها خيوط شبكة مالية ضخمة ومعقّدة ... تقف خلفها جماعة الإخوان المسلمين المحظورة... تديرها بسرّية محكمة على الطريقة (المافاوية)...وتُغذّيها أموال التبرعات المشبوهة... التي جاوزت حاجز الـ30 مليون دينار أردني... جُمعت بطرق خارجة عن القانون... وصُرفت على أجندات لا علاقة لها بمصالح الأردنيين ولا أمنهم ولا لقمة عيشهم.
هذه ليست قضية فساد مالي عابر... بل ملف أمني ثقيل يتشابك فيه المال بالسياسة، والدين بالمصالح، والتبرعات بالولاءات الخارجية... في مشهد أقرب إلى غرف الظل والمخابئ السرية... وليس إلى مؤسسات وطنية علنية.
شبكة مظلمة... على طاولة المخابرات العامة.
بحرفية استخباراتية صامتة ولكن ضاربة... وضعت المخابرات العامة يدها على شبكة مالية محظورة تديرها الجماعة منذ سنوات... بأذرع داخل الأردن وخارجه... وتمكنت من تفكيك بنيتها وتوثيق تحركاتها وتحويلاتها المشبوهة... بدءًا من جمع التبرعات تحت عباءات دينية وإنسانية... وصولًا إلى تهريبها إلى الخارج، أو إخفائها داخل المملكة، بما في ذلك ضبط أربعة ملايين دينار نقدًا في منازل ومستودعات ... بتوجيه مباشر من قيادات في التنظيم وأوامر نُقلت حتى عبر سائقين ومساعدين.
ما تم كشفه حتى الآن... لا يمثّل إلا رأس جبل الجليد... لكنه كافٍ ليُظهر حجم الاختراق المالي والتمويلي الذي كانت تُديره الجماعة في الخفاء.
العمل الخيري المزعوم... ستار لأجندات مريبة.
منذ بداية الحرب الأخيرة على غزة... سارعت الجماعة لاستغلال مشاعر الأردنيين... وركبت المأساة لجمع التبرعات بشكل مكثف... مدعية أن الأموال ستُرسل للمتضررين... لكن الحقيقة الصادمة أن أكثر من 99% من تلك الأموال لم تصل لأي جهة إنسانية معتمدة ... بل تم تحويلها عبر قنوات سرّية لخدمة التنظيم نفسه.
وهنا... لا نتحدث عن مخالفة قانونية فحسب... بل عن خيانة أخلاقية ووطنية عميقة... حيث تم توظيف مشاعر التعاطف الشعبي لخدمة مشروع تنظيمي خارجي ... لا يمتّ بصلة لمبادئ الدولة أو مسؤوليتها أو سيادتها.
تمويل سياسي خفي... ودولة داخل الدولة.
التحقيقات بيّنت أن أموال الجماعة المحظورة لم تذهب فقط إلى الخارج... بل صُرف منها ما يكفي لتغذية حملات سياسية داخلية عام 2024... وتمويل حزب سياسي تابع... ودفع رواتب شهرية لسياسيين موالين للجماعة... وتمويل أنشطة احتجاجية ونقابية وطلابية... في محاولة لصناعة "دولة موازية داخل الدولة"... بكل أدواتها من إعلام ومال وتأثير اجتماعي.
إننا أمام محاولة خطيرة لتوجيه الرأي العام... والتحكم في مسارات السياسة والتعليم والنقابات... عبر المال الأسود الذي لا يُراقَب ولا يُسأل عنه أحد.
توزيع الأدوار... وخيوط تتجاوز الحدود.
المخابرات العامة كشفت عن تنظيم دقيق داخل الجماعة... يُوزَّع فيه الدور بين قيادات معروفة... وأفراد يعملون في الظل... منهم شخص يقيم في عمّان ويتلقى تعليماته من تنظيم خارجي... هذا الشخص كان همزة الوصل لتحويل الأموال... وتنسيق العمليات المالية بعيدًا عن الأعين والرقابة.
التحقيقات بيّنت أن الجماعة كانت تمتلك تمويلًا سنويًا ثابتًا يُقدّر ب(1.9) مليون دينار ... يُنفق باستمرار على أدوات التنظيم الدعائية والسياسية... ويُبقي شرايين الجماعة حيّة رغم الحظر ورغم تفكك مشروعها السياسي العلني.
11 موقوفًا وكفالات بالملايين... والقادم أعظم..
حتى اللحظة... تم توقيف 11 شخصًا من المتورطين في الملف... واستدعاء آخرين مرتبطين بعمليات التمويل أو التخزين أو التحويل ... وبعضهم تم الإفراج عنه بكفالات مالية ضخمة... في حين لا تزال خيوط القضية تتكشف مع احتمالية توسيع دائرة التحقيق لتشمل المزيد من الأفراد والكيانات.
ما وراء المال: خطر على الأمن الوطني..
حين نتحدث عن 30 مليون دينار تُجمع وتُرسل وتُخفى خارج القانون... فإننا لا نتحدث فقط عن تهرّب مالي... بل عن تهديد صريح للأمن الوطني الأردني... ومحاولة لاختراق الدولة من بوابة المال والدين والسياسة... الجماعة المحظورة لا تزال تحاول العمل من تحت الأرض... وتُعيد تشكيل أذرعها السرّية... والمال كان هو وقودها الأهم... حتى أوقفتها المخابرات العامة في اللحظة المناسبة.
كلمة أخيرة... لا مجاملة بعد الآن..
ما حدث يُعيد التأكيد على أن الجماعة المحظورة لم تتغيّر... بل غيّرت فقط أدواتها وشعاراتها... من الصناديق إلى الشقق... من المساجد إلى المستودعات... من الشعارات الدينية إلى الحقائب المالية... كل شيء كان محسوبًا بدقة لإبقاء الجسم التنظيمي على قيد الحياة على حساب القانون والسيادة والدولة.
لكن الدولة كانت يقظة... والمخابرات العامة كانت لها بالمرصاد...
وها هي اليوم توجه رسالة صارمة لا تحتمل التأويل:
الأردن ليس ساحة للتنظيمات... ولن يُسمح للمال الأسود أن يُملي أجنداته على أرضه... وللحديث بقية..