في كواليس القصور الملكية، وبين تفاصيل السنوات الصامتة، يقف حمد الخوالدة شامخًا في ذاكرة الملك عبدالله الثاني بن الحسين... ملكٌ عاش بين الناس، وكان واحدًا منهم، شاهده حمد عن قرب، ولمدة تجاوزت اكثر من الـ19 عامًا، لا كملكٍ على العرش، بل كإنسان لا يتردّد في مساعدة محتاج، أو تنظيف يديه بالشحم تحت دبابة، أو إسعاف جريح على طريق صحراوي في ليلة ممطرة.
حين يترجل الملك في الظلام...
في بداية الثمانينات، كانت عمان تغطّ في سكون الليل. يقود الخوالدة سيارته وبجانبه الأمير الشاب عبدالله. فجأة، يظهر رجل وسط شارع الجاردنز، تشير يداه إلى ضيقٍ ما. يطلب الأمير من سائقه التوقف، يتردد الخوالدة، لكن الأمير يصر. يتبيّن أن الرجل يعاني من عطل في مركبته، فلا يتردد الأمير عبدالله في إصلاحها بنفسه، دون أن يكشف هويته.
الأمير الذي فهم لغة الغرباء
في حادثة أخرى، على طريق المدينة الطبية، تُوقَف مركبة الملك – وكانت آنذاك مدنية – من قبل دورية شرطة، وكانت الدورية في حيرة أمام رجلين أجنبيين لا يتقنان العربية، ولا يفهم أحد ما يقولان. يترجل الأمير الشاب، يتحدث إليهم بلطف، يساعدهم، يوضح للشرطة، ثم يعود لمقعده... دون أن يعرف أحد من هو.
الأمير تحت الدبابة
في إحدى زيارات الملك الراحل الحسين بن طلال المفاجئة إلى وحدات الجيش، سأل عن ابنه الأمير عبدالله. لم يجدوه. بحثوا عنه في كل مكان، حتى خرج شابٌ من تحت دبابة، وجهه مغطى بالشحم، لا يميّزه أحد. اقترب، أدّى التحية العسكرية. كان هو الأمير عبدالله، بين رجاله، يعمل معهم، لا يميّز نفسه عنهم.
إسعاف على الطريق الصحراوي
في ليلةٍ باردة وماطرة، وبينما كان الخوالدة يقود سيارة الأمير عبدالله، وقعت حادثة سير مروعة أمامهم على طريق القطرانة - عمّان. يهبط الأمير، يركض نحو الحادث، يجد فتاتين مصابتين، يقوم بإسعافهما بنفسه، ويقود السيارة نحو أقرب مستشفى، بينما المطر يتساقط، والطريق يغرق بالعتمة.
بعد اكثر من 19 عامًا من خدمة متواصلة، شعر الخوالدة أن جسده لم يعد يحتمل متطلبات العمل، فطلب من الملك السماح له بالتقاعد. رفض الأمير عبدالله بشدة. لم يكن الخوالدة مجرّد سائق، بل كان عينه وسمعه وصديقه الصامت. لجأ إلى الحيلة، وطلب التقاعد من مدير الكراجات الملكية دون علم الأمير. صدر القرار، وابتعد الخوالدة، لكن جلالة الملك لم ينسه أبدًا، بل بقي يذكره بالخير، ويتصل بين حين وآخر رغم مشاغله الكثيرة.
حمد الخوالدة ليس فقط سائقًا، بل شاهدٌ صادق على جانب من شخصية الملك عبدالله الثاني... جانب لا تراه عدسات الكاميرات، لكنه يعيش في ذاكرة الرجال الذين خدموه بإخلاص، وكانوا شهودًا على أنه كان وسيبقى، ملكًا من الناس وللناس.