في وقتٍ تتزاحم فيه الأصوات على المهرجانات، ويبذل الفنّ جهدًا ليستعيد مكانته كمرآة للهوية، يبرز صوت الفنان الأردني رافع الشرايعة كنموذج فنيّ استثنائي، يحمل نغمة الصحراء، ودفء المجالس، ونخوة القبيلة، وهو يصدح بأغنية تراثية تنتمي بصدق للأرض والناس.
ابن قبيلة عباد العريقة، ورمز من رموز الصوت البدوي الأصيل، خطّ رافع الشرايعة مسيرته الفنية بثبات، بعيدًا عن ضوضاء الاستعراض، فكان فنانًا بالفطرة، حارسًا للتراث، وأمينًا على لحن الوطن.
نغمة من البادية.. ورسالة في كل موال
تميّز الشرايعة بصوته القوي الموشّح بنبرة بدوية خالصة، تُشبه الرمل حين يتحرّك في هدوء، وتعلو مع الريح كأنها تسرد سيرة فرسان. صوته ليس فقط جميلًا، بل صادقًا، تنبع فيه الكلمات من القلب لتلامس وجدان الأردنيين والعرب.
من أبرز ما قدّمه، الميدلي التراثي الشهير:
"هزي شعراتك"، "صف الورود"، "ابكي يا عيني"، و**"عيونك البراقة"**، حيث أعاد من خلالها إحياء أغنيات سامرية مهددة بالنسيان، مقدّمًا إيّاها بصيغة جديدة، تجذب الجيل الجديد دون أن تفقد رائحة الماضي.
كما قدم أغنية "يا صيته هذي نا" التي باتت تُردد في أفراح العشائر، وعبر بها عن فخره بانتمائه لقبيلة عباد، إحدى كبرى القبائل الأردنية، مؤكدًا أن الفن يمكن أن يكون جسرًا بين الحاضر والجذور.
زفة وليّ العهد.. وصوت الشرايعة يعلو بالفرح
في لحظة وطنية لا تُنسى، ومع زفاف سمو الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، صدح صوت الشرايعة بأغنيته الخاصة "زفة الأمير الحسين"، التي قدّم فيها تهنئة عابقة بالفرح باسم قبيلته، ومغلفة بلحن بدوي يعكس وفاء العشائر للوطن والقيادة الهاشمية.
هذه الأغنية لاقت انتشارًا واسعًا على المنصات الرقمية، وشاركت في التعبير الشعبي الصادق عن الفرحة بزفاف وليّ العهد، وهو ما يؤكّد قدرة الشرايعة على أن يكون صوت الناس في لحظاتهم التاريخية.
الفيصلي، جرش، والاستقلال.. لكل مقام نشيد
لم تقتصر مسيرة الشرايعة على الأغنية العاطفية أو التراثية، بل قدّم أعمالًا وطنية خالدة مثل:
"الهاشمي"، "يا أردن صانوك رجال"، و**"إلى جماهير الأزرق"**، التي أطلقها دعمًا للنادي الفيصلي، جامعًا جمهوره على حبّ الفريق بصوت يُلهب الحماسة.
وفي احتفالات المملكة بعيد الاستقلال في جرش، كان صوته حاضرًا بقوّة، حيث أشعل المسرح بأداء شعبي أعاد الاعتبار للأغنية الوطنية الأصيلة، وذكّر الحضور بالبعد الثقافي العميق للفن الأردني.
مسيرة متجددة.. وخطى راسخة نحو المستقبل
الفنان رافع الشرايعة لا يعيش على أمجاد ماضية، بل يتجهز حاليًا لإطلاق ثلاث أغنيات تراثية جديدة، قال إنها ستكون مزيجًا من أصالة الكلمة وقوة اللحن. وأكد في لقاءات صحفية أنه يعمل على توثيق الفن البدوي في قالب حديث، يضمن له البقاء ويمنع سرقته أو اندثاره.
وقد تلقى عروضًا من عدة مهرجانات محلية للمشاركة في صيف 2025، إضافة إلى تعاون مرتقب مع فنانين أردنيين شباب بهدف تمرير هذا الفن للأجيال المقبلة.
إرث وفن للأردنيين جميعًا
رافع الشرايعة ليس مجرّد فنان يغني، بل هو راوٍ حكيم، يحمِل رسائل الأرض والناس، ويعكس ثقافة العشائر الأردنية في كل أداء. هو أحد أولئك الذين كلما غنّوا، شعر الجمهور أن الوطن هو من يتحدث.
هو صوت البادية، وملح الأرض، وشاهد على أن الفن حين يكون صادقًا، يُولد من الشعب ويعود إليه، عابرًا للمناطق واللهجات، إلى القلوب مباشرة.