لمّا انقشع غبار الصدمة الأولى، وكشفت التحاليلُ قاتلاً خفيّاً اسمه "الميثانول" يسري في عروق بعض المشروبات، لم تكن المؤسسة العامة للغذاء والدواء سوى صاعقٍ ينتفض بكلّ كيانه. فما كادت الأنباءُ تتدفق حتى تحوّلت قاعاتُها إلى خلية نحلٍ استثنائيّة، ترفع سقفَ التأهب إلى عنان السماء، وتضع الحادثةَ المُرّة على رأس أولوياتها كأنها جمرةٌ تتقاذفها الأيادي قبل أن تحرق الجميع.
انطلقت آليّاتُ المؤسسة كالبرق، تاركةً وقعَ أقدامها في الأسواق والمصانع. طواقمها – كشُعاعٍ كاشفٍ في ظلمة الريبة – اقتحمت محالّ الزرقاء وامتدّت إلى أطراف المملكة، تلتقط عيّناتِ المشروبات كمن يلتقط شظايا قنبلةٍ قبل انفجارها. ولم يكن مديرُها العام، د. نزار مهيدات، سوى قائدٍ ميدانيٍّ يقود ركبَ الطوارئ بلا كلل، ساعاتُ العمل تتّسع له ولرفاقه، والليلُ يتحوّل إلى ورشةٍ لا تنام. كانت حركةً دؤوبةً، كسفينةٍ تبحر في بحرٍ هائج، حتى أثمرت جهودُها عن قرارٍ حاسمٍ: إيقافُ ثلاثة مصانع، وسحبُ قائمةٍ سوداء من المشروبات القاتلة من رفوف التجّار.
لكنّ المؤسسة، وهي تُصارع سمّاً ماديّاً، وجدت نفسَها في مواجهة سمومٍ أخرى. فمن خلف الستار، انبعثت أصواتٌ تريدُ اصطيادَ الحقيقة في المياه العكرة، وتنسجُ من التشكيكِ شباكاً لتشويشِ الرأي العام.
وهنا، ينبغي أن نقفَ وقفةَ إنصافٍ أمام هذا الحارس الأمين، الذي يظلُّ درعاً واقياً لصحة الأردنيّين وسلامةِ ما يدخل أفواهَهم من غذاءٍ ودواء. فآليتُها الضخمة – من الإدارة إلى المديريّات إلى أصغر موظّفٍ – تعملُ كساعةٍ سويسريّةٍ دقيقة، تفحصُ، تراقبُ، تحمي.
فلماذا يتحوّل بعضُهم إلى قنّاصٍ يتربّص بهذا الصرح الوطني؟ ولماذا تُوجَّه السهامُ إلى المهيدات تحديداً، وهو الذي يقفُ شامخاً كالسنديانةِ العتيقة، بُنيانُه النزاهةُ، وثمرتُه الإنجاز؟ أترى الأصواتَ المُغرضةَ تعلمُ أن عقدَ هذا الوطنيّ ينتهي قريباً؟ أتُراها تريدُ خلخلةَ الثقةِ فيه لتمهيدِ الطريقِ لأجنداتٍ أخرى؟
إنّ المهيدات ليس موظفاً عاديّاً يُستبدلُ كالقِطعةِ التالفة. إنه رجلٌ نادرٌ كالماء في الصحراء، جمع بين حنكةِ القائدِ ونظافةِ اليدِ ووطنيّةِ القلب.
ونرى أن تجديدُ الثقةِ فيه هو إعلانٌ صارخٌ بأنّ الدولةَ الأردنيّةَ تقفُ مع الكفاءةِ والنزاهة، وتأبى أن تنحني لرياحِ التشهيرِ والأجنداتِ المسمومة.
إنّ التمسّكَ به هو تثبيتٌ لدعائمِ الدولةِ نفسها أمام محاولاتِ الهدمِ والتشويه.
فليُدرك الرأيُ العامّ: بينما تُدارُ معاركُ التشويهِ على وقعِ "الترندات"، تظلُّ المؤسسةُ ومديرُها منشغلينَ بالمعركةِ الحقيقيّة: معركةُ حمايةِ صحتكم. فهل يُنصفُ الشعبُ من يحميه؟ إنّ التجديدَ للمهيدات ليس مجرّدَ قرارٍ وظيفيّ، بل هو إجابةٌ عمليّةٌ صارخةٌ لكلّ من يحاولُ النيلَ من حصونِ أمننا الغذائيّ والدوائيّ. إنه القرارُ الذي يقولُ للأردنّ كلّه: ها نحنُ أحياءٌ تحت رعاية حارسٍ لا ينام.