بدا حكايتنا مع هذا النشمي البطل بلال حريبي من أم الحيران في عمان حيث الإذاعة والتلفزيون الأردني التي أعمل في دائرتها الاخبارية مندوب أخبار ومراسل ميداني وفي عام 2003 وفي الذكرى الثالثة للانتفاضة الثانية كلفنا بتغطية اعلامية للأحداث في فلسطين وكان المدير العام لمؤسسة الإذاعة والتلفزيون الأردني أيمن الصفدي وترافقت مع الزميل المصور هاني الذنيبات ووصلنا إلى جسر الملك الحسين ظهرا في طريقنا إلى الأراضي المحتلة وبالتحديد رام الله مقر عملنا وكان ذلك اليوم يصادف ذكرى الانتفاضة الثانية ووصلنا عصرا إلى مقر شركة "لينك للإعلام" في رام الله والتي تعاقد معها التلفزيون الأردني لتقديم خدمات اعلامية لفريق التلفزيون الأردني الإخباري في الضفة الغربية المحتلة وبالفعل انجزنا تقرير اخباري بعد ظهر ذلك اليوم مع المواطنين الفلسطينيين وعدد من المسؤولين الفلسطينين وارسل إلى دائرة الأخبار في عمان وصادف في تلك الأيام ان الجيش الإسرائيلي يطوق مقر المقاطعة في رام الله وهي مقر السلطة الفلسطينية التي كانت مركز للرئيس ياسر عرفات والحكومة الفلسطينية وكانت شقتنا مقابل المقاطعة ولا تبعد عنها سوى أمتار عن بابها الرئيسي لذلك تم تطويقها ولا يمكننا الذهاب اليها للمبيت لذلك كانت شركة لينك هي مكان مبيتنا لمدة يومين وبعدها انسحب الجيش الإسرائيلي المحتل من المقاطعة بعد أن عاث فيها خرابا وتدميرا وحينها ذهبنا لمقابلة الرئيس عرفات في المقاطعة مع جموع الاعلاميين وارسلنا تقرير إلى عمان وعادت لنا شقتنا التي كانت بوضع صعب حيث الشبابيك مكسرة من أثر العدوان من قبل الجيش الإسرائيلي على المقاطعة ومحاصرتها لاكثر من شهر وبعد أن استقر بنا الحال وقمنا بتنظيف الشقة وبدأ العمل لتغطية الأحداث في الضفة الغربية المحتلة من خلال تواجدنا اليومي في مقر المقاطعة او مقر الرئيس ياسر عرفات لمتابعة الأحداث السياسية والميدانية وارسال تقرير يومي بذلك.
وتطلب عملنا استئجار سيارة لتنقل بين مدن الضفة الغربية والقدس وخلال جولتنا في رام الله توقفنا على جانب الطريق أمام عديد من المحلات ونزلنا نتجول وهنا التقيت أنا وهاني الذنيبات بشخص أعرفه من عمان وبالتحديد في وادي السير انه "بلال حريبي" وكان لقاء حميمي مع انسان اعتز بمعرفته غادر من عمان إلى الضفة الغربية للإقامة والعمل وكان لديه محل خياطة و"دراي كلين" وقال انا سعيد كثيرا بوجودكم في رام الله واراد استضافتنا في منزله خارج معبر "قلنديا" الفاصل بين رام الله والقدس حيث كان يدخل ويخرج من خلف المعبر بعيدا عن اعين الجنود الصهاينة المحتلين ووعدناه بأن نزوره حين تستقر أمورنا في رام الله وحينها بادر وقال هذا المحل محلكم وانتم ضيوفي حتى عودتكم إلى عمان وبالنسبة ملابسكم هي مسؤولية هذا المحل ومجانا وبالفعل على مدى ثلاثة أشهر كانت تاتينا الملابس مغسولة مكوية معطرة من دراي كلين بلال حريبي الرجل الشهم الكريم الأصيل.
وبعد مرور ايام قررنا التوجه يوم الجمعة من الصباح إلى الصلاة في المسجد الأقصى في القدس عبر معبر قلنديا الذي كنا ننتظر به ثلاث ساعات للخروج إلى القدس وهذه كانت إحدى الطرق لتنكيل بالفلسطينين يوميا عبر معبر قلنديا وعند عودتنا مساءا بعد الصلاة في المسجد الاقصى دخلنا معبر قلنديا بالسيارة ولكن أخبرنا جنود الاحتلال انه بعد الساعة الثامنة مساءا ممنوع دخول المركبات أما انتم يمكنكم الدخول سيرا على الأقدام مما دفعنا للرجوع خارج المعبر واتصلنا مع بلال حريبي الذي كان يسكن قريبا من المعبر واستضافنا تلك اللية واكرمنا وفي صباح اليوم التالي لم يدعنا نغادر قبل الغداء وكان المنسف حاضرا من الكريم الأصيل النشمي بلال حريبي الأردني الفلسطيني الحر وبعد الغداء توجنا إلى رام الله لاستكمال عملنا وبقينا على اتصال مع بلال حريبي طوال فترة عملنا الاعلامي في رام الله.
وخلال اقامتنا التي تخللها شهر رمضان المبارك نسجل لأهلنا في فلسطين مواقفهم المشرفة اتجاه الأردن حيث انني وزميلي المصور هاني الذنيبات وطوال شهر رمضان المبارك إما معزومين لدى اخواننا في رام الله أو ياتينا طعام الإفطار إلى حيث نسكن لم نرى هناك إلا حسن الضيافة والاستقبال من أبناء فلسطين الاشاوس القابضين على الجمر المدافعين عن أرضهم ببسالة فلا يعرفون الخوف من العدو المتغطرس يزفون الشهداء يوميا إلى الجنة ويستمرون في الحياة لأنهم يعلمون ان هذا الاحتلال لابد زال وأن طال الأمد.
نعود إلى بلال حريبي الذي علمت بعد عودتي إلى عمان بسنوات أنه هاجر وأسرته إلى كندا حيث أخوة له هناك وليبدأ حياة جديدة مع انتظار العودة إلى حضن الام التي ولدت وهي فلسطين او إلى حضن الام التي ربت وهي الأردن ولكن القدر اختار له الوفاة في كندا بعيدا عن الوطن رحم الله بلال حريبي الرجل الشهم الكريم الأصيل صاحب النخوة والفزعة وهي خصال الرجال الأوفياء الذين خرجوا من بيت كانت تحكمه القيم والعادات والتقاليد الطيبة التي تجسدت في بلال صاحب المواقف المشرفة.