في السابع عشر من حزيران ٢٠٢٥، ألقى جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين خطابًا تاريخيًا أمام البرلمان الأوروبي، خاطب فيه الضمير العالمي، محذرًا من حالة الانفلات الأخلاقي التي باتت تسود السياسات الدولية، ومؤكدًا أن العالم يقف على مفترق طرق حاسم.
قال جلالته: "نحن نعيش موجة تلو الأخرى من الاضطرابات… فلا عجب أننا نشعر بأن عالمنا قد ساد فيه الانفلات، وكأنه قد فقد بوصلته الأخلاقية." هذه العبارة تختزل جوهر الخطاب، حيث يشير الملك إلى أزمة عالمية أعمق من الحروب والنزاعات: إنها أزمة قيم ومرجعيات.
وتابع الملك قائلاً: "كيف يعقل لما كان يعتبر فعلاً وحشياً قبل 20 شهراً فقط، أن يصبح الآن أمراً شائعاً لا يُذكر؟". هذا التوصيف يعكس التطبيع الدولي مع الجرائم التي تُرتكب ضد المدنيين، ويشير إلى أن القبول التدريجي بالفظائع هو في حد ذاته انهيار للمنظومة الأخلاقية الدولية.
أحد المحاور المركزية في الخطاب كان تأكيد جلالته على أن الحروب الحديثة لم تعد تُخاض من أجل الأرض فقط، بل من أجل فرض قيم معينة. قال: "الحروب نادراً ما تكون فقط حول بسط السيطرة على الأراضي، بل هي معارك حول وجهات النظر العالمية… والأفكار والقيم التي ستشكل مستقبلنا".
وفي تحذير لافت، شدد جلالة الملك على أن القوة لا تصنع سلاماً دائماً، فقال: "الأمن الحقيقي لا يكمن في قوة الجيوش، بل في قوة القيم المشتركة، وأن السلام الذي تفرضه القوة أو الخوف لن يدوم أبداً". هنا دعوة صريحة لإعادة الاعتبار للشرعية الدولية، والاحتكام إلى القيم الجامعة لا السطوة العسكرية.
يُفهم من الخطاب أن الأردن، بقيادة جلالته، يرى في أوروبا شريكًا أخلاقيًا محتملًا، لكن في الوقت ذاته يُحمّلها مسؤولية العجز عن الفعل، قائلاً: "نحن على مفترق طرق… عام القرارات المحورية… أوروبا يمكنكم الاعتماد على الأردن كشريك قوي".
إن هذه الرسائل لا تُقرأ في الفراغ، بل تأتي في لحظة يتعاظم فيها التواطؤ الدولي مع الانتهاكات، ويتآكل فيها القانون الدولي والإنساني أمام مصالح الدول الكبرى. فالملك لا ينتقد فقط، بل يدعو لإصلاح عميق في منظومة العلاقات الدولية.
خطاب جلالة الملك هو نداء أخلاقي وسياسي في آنٍ معًا، يعكس إدراكًا عميقًا بتحولات النظام الدولي، ويحث على استعادة الروح الإنسانية في العلاقات بين الشعوب والدول. فإما أن يتحرك العالم لإنقاذ ما تبقى من الشرعية الدولية، أو يواجه موجة جديدة من الفوضى الأخلاقية والسياسية.