في اكتشاف علمي قد يُحدث نقلة نوعية في طرق التشخيص المبكر لمرض باركنسون، توصل باحثون صينيون إلى أن شمع الأذن يحتوي على مركبات كيميائية مميزة يمكن أن تعكس الإصابة بالمرض حتى قبل ظهور علاماته السريرية.
أجرى فريق البحث التابع لجامعة "تشجيانغ" الصينية دراسة شملت تحليل عينات شمع أذن لـ100 شخص مصاب بباركنسون و79 آخرين من الأصحاء، حيث رصد اختلافاً واضحاً في التركيبة الكيميائية، خاصة في المركبات العضوية المتطايرة (VOCs) التي تنبعث من المادة الشمعية.
الزهم.. مفتاح جديد للتشخيص
يرتبط شمع الأذن بمادة دهنية تُعرف باسم الزهم، وهي مادة تتأثر كيميائياً بعوامل مثل الالتهاب والإجهاد التأكسدي، وكلاهما من السمات البارزة لمرض باركنسون. وبيّنت الدراسة أن هذه التغيرات تُنتج مركبات وروائح خاصة، قد تُشكل مؤشراً بيولوجياً مبكراً على وجود المرض.
ويُعد مرض باركنسون أحد أكثر الاضطرابات العصبية انتشاراً، ويؤثر بشكل تدريجي على حركة الجسم، مسبباً رجفاناً، وتيبساً، وبطء في الحركة، ومع تقدم الحالة، تظهر أعراض أكثر حدة مثل صعوبة الكلام والبلع وفقدان التوازن.
أربعة مركبات تُنذر بالخطر
حدّد الباحثون أربعة مركبات VOCs كانت أكثر وضوحاً لدى المصابين، أبرزها:
الإيثيل بنزين و4-إيثيل تولوين: مواد كيميائية ترتبط بالالتهاب الدماغي، وتُستخدم في الصناعات البترولية والبلاستيكية.
بنتانال: ناتج عن تحلل الدهون، وارتفاع مستواه يشير إلى تلف الخلايا العصبية وتراكم بروتينات سامة.
2-بنتاديسيل-1,3-ديوكسولان: مركب يرتبط بخلل في استقلاب الدهون وتغيرات ميكروبيوم الجلد.
الذكاء الاصطناعي يحقق دقة لافتة
اعتمد الفريق البحثي على خوارزميات ذكاء اصطناعي لتحليل المركبات الكيميائية في العينات، ونجحت الأداة في التمييز بين المصابين وغير المصابين بدقة وصلت إلى 94%، ما يفتح الباب أمام تطوير اختبار بسيط وغير مكلف للكشف المبكر عن المرض.
الأمعاء.. اللاعب الخفي في الإصابة
أشارت الدراسة أيضاً إلى الدور المتزايد الذي يلعبه ميكروبيوم الأمعاء في الصحة العصبية، حيث يؤدي اختلال التوازن البكتيري إلى إنتاج مركبات سامة قد تصل إلى الدماغ وتساهم في تفاقم المرض. بعض مركبات VOCs التي تم رصدها في شمع الأذن، تُنتج نتيجة هذا الخلل الميكروبي.
التلوث والبيئة.. شريكان في المرض
تُسلّط نتائج الدراسة الضوء على الجانب البيئي من المرض، إذ تُظهر بيانات المعاهد الوطنية للصحة الأمريكية أن مرض باركنسون يُعد أسرع اضطرابات الدماغ نمواً، ويرتبط بالتعرض المزمن لمبيدات الآفات، والهواء الملوث، والمواد الكيميائية الصناعية.
وقد تضاعفت حالات الوفاة المرتبطة بالمرض في الولايات المتحدة خلال العقدين الماضيين، من 14.500 حالة في عام 1999 إلى أكثر من 35.000 حالة في عام 2019.
ورغم النتائج الواعدة، أكد الدكتور هاو دونغ، أحد الباحثين الرئيسيين، أن الدراسة لا تزال في مراحلها الأولى، وقد أُجريت داخل مركز بحثي واحد. ودعا إلى إجراء أبحاث أوسع تشمل فئات عمرية مختلفة وبيئات سكانية متنوعة، لضمان موثوقية النتائج وفعاليتها عالمياً.
من "مادة مزعجة" إلى أداة تشخيص مبكرة
قد يتحول شمع الأذن، الذي لطالما اعتُبر مادة غير مرغوب بها، إلى أداة ثورية في رصد باركنسون قبل فوات الأوان، خاصة في ظل غياب علاج نهائي للمرض حتى الآن. وبينما لا يزال الطريق طويلًا، فإن قطرة واحدة من شمع الأذن قد تحمل في طيّاتها الأمل لآلاف المرضى حول العالم.