بوعي الداعية، وغيرة الجندي، وصدق الكلمة التي تحفظ الأوطان…
أكتبها، لا لأجل استعراض البيان، ولكن لأن الكلمة أمانة، والساكت عن الحق شيطان أخرس.
في هذا الزمن المضطرب، حيث تتنازع الأمواج كل شاطئ، وتتكالب الأهواء على خرائط الأمة، وتعلو أصوات الفتنة كالريح العقيم…
نرى مشهدًا لا يشبه إلا النُّذر؛ وكأن شرارة الحرب على الأبواب، تنتظر غفلة متخاذل، أو كلمة عابثة تُشعل الحريق في هشيم الناس
وفي خضم هذا المشهد المحتقن، يبقى الوطن هو الأمانة الأولى…
ويبقى الصف الواحد هو الحصن الأخير.
فمن نحن إن لم نكن جند هذا التراب؟
ومن نكون إن لم نتّحد خلف قيادتنا، في زمنٍ لا يرحم المتفرقين، ولا يُبقي للغافلين موضع قدم؟!
في هذه اللحظة…
لا تكفي الخطب الحماسية، ولا تنفع بيانات التنديد.
بل نحتاج من يعيد إحياء الإيمان بأن حب الوطن من الدين، وأن الولاء للقيادة لا يعني التقديس، بل الوفاء للميثاق.
نحتاج من يُبقي الجبهة الداخلية مشتعلة بالوعي، لا بالكراهية…
مشحونة بالثقة، لا بالتخوين…
وهنا، لا بد أن نتذكّر أن
الوطن ليس حدودًا ترسمها الخرائط، بل عهدًا يزرعه القرآن في قلوبنا
*🕊️ الأردن وطن الرسالة… لا وطن التفرقة*
إن وطنًا نشأ في كنف بني هاشم،وسُقيت تربته من نُبل الرسالة،وعاش أهله في ظل قائدٍ حكيمٍ، جعل من العدل والبصيرة دربه…
فمن واجبنا اليوم، كأبناء لهذا البلد الطيب، أن نقف جميعًا في صفٍ واحد، وكلمة واحدة، وراية واحدة.
ولستُ أقول هذا من باب العاطفة الجوفاء، بل من باب الدين الذي علّمنا أن الانشقاق بوابة الهزيمة، وأن الفتن لا تأتي إلا من ثغرات الكلام، وتصدّع الصفوف.
*إياكم وأبواق الخراب…*
ليس كل صوتٍ مرتفعٍ ناصح، وليس كل من تزيّا بلباس الغيرة مخلصًا.
بعض الأبواق، لا تزرع وعيًا، بل تسفك الطمأنينة، وتنفث سمّها في جسد الوطن، ثم تمضي كأنها لم تفعل شيئًا.
وإلى أولئك نقول:
نحن الأردن، والأردن نحن.
نحن الملك، والملك نحن.
لسنا ممن يفتنون في أول الطريق، ولا ممن يبيعون أمن وطنهم في بازار الكلمات المسمومة.
أيها الغيورون على الوطن…
إن هذا البلد، لم تُبنَ جذوره على الصدفة، بل على دماء، وعلى ولاء، وعلى نبوءاتٍ في سيرةٍ خالدة.
هذا بلد الحشد والرباط، وأحفاد الأنبياء، وأرض الأمان التي أوت الضعيف ورفعت الملهوف ، إياكم أن تنخدعوا بأبواق الخراب، ممن يلبسون ثياب الحرص وهم في قلوبهم مرض…
الفتنة أولها كلمات، وأوسطها تخوين، وآخرها خراب يطال الجميع
*نقتدي برسولنا… ونعتصم بهويتنا*
حين اشتدّت غزوة حنين على رسول الله ﷺ،
ونفض الناس أيديهم من النصر، نادى النبي في القوم وقال:
"أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب.”
فكانت تلك الكلمة استدعاءً للهوية، وبعثًا للعزيمة، وربطًا للمعركة بالرحم والحق والدين.
واليوم، ونحن نعيش لحظة اشتداد، لحظة اختبار، فإننا نستلهم من ذلك المشهد عِبرة الطريق:
نحن أبناء هذا البلد،
وإن تعددت لهجاتنا، ومناطقنا، فإن قلوبنا تهتف
بصوتٍ واحد:
"حمى الله الأردن، قيادةً وشعبًا، أرضًا وهويةً.”
فلتكن كلمتنا اليوم:
"نحن الأردن، والأردن نحن.”
قيادتنا ليست شعارًا يُرفع… بل بيعة في الرقاب وعهدٌ لا تنقضه العواصف، ولا تُزحزحه المهاترات.
اعلم أن الكلمة قد تَقتل إذا لم تكن موزونة، وأن الغفلة خيانة، فكن عينًا ساهرة، وصوتًا ناصحًا، ويدًا تبني لا تهدم
ولعلّ وزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية كانت سبّاقة في تلمّس هذا الواجب العظيم، حين دعت في خطبتها ليوم غد الجمعة، إلى رص الصفوف والاعتصام بحبل الله، في وجه الفتن المظلمة والألسنة التي تحاول تمزيق الصف الوطني واللحمة الاجتماعية.
دعوة تأتي في وقتها، وتعبّر عن وعي شرعي ورسالي نحتاجه اليوم أكثر من أي وقت مضى
وفي الختام
اللهم من أراد بالأردن شرًّا فاشغله بنفسه…
واجعل هذا الوطن دار أمنٍ وأمان، وسَعة رزقٍ، وعدل راية، لا يُضل فيه اللسان، ولا يُخذل فيه الصادق.
اللهم ارفع البلاء، وأصلح ذات البين، واحفظ الأمة من شرّ الحروب، وأرنا الحق حقًا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه.