في عالمٍ تتقاذفه الصراعات وتتبدّل فيه التحالفات وفق المصالح، يظل الأردن ثابتًا على مواقفه، متزنًا في قراراته، ومتمسكًا بثوابته السياسية القائمة على الاحترام المتبادل، وعدم التدخل في شؤون الآخرين، وبناء علاقات متوازنة قائمة على الصداقة والانفتاح مع الجميع.
فمنذ تأسيس الدولة الأردنية، والأردن يسير على نهج الحكمة والاعتدال، بعيدًا عن الاصطفافات الحادة أو الأجندات العابرة للحدود. ورغم ما يحيط بالمنطقة من توترات، ورغم محاولات البعض لتوريطه في نزاعات لا تخصه، إلا أن موقفه بقي صلبًا: لا نحن قواعد ولا بوابة خلفية لأي أحد.
لكن من المؤلم أن بعض العواصم لا تزال تنظر إلى الوطن العربي كساحة لتصفية الحسابات، أو منصة لإرسال الرسائل الدموية، متغافلين عن أن هذه الشعوب لها كرامة، وهذه الأرض لها أصحاب.
رسالة الأردن كانت ولا تزال واضحة:
> "لسنا فراغاً سياسياً، ولا ساحة لتجريب الصواريخ. نحن أبناء دولة لها سيادتها، ومهما اختلفت مواقفنا، فكرامتنا ليست محل مساومة."
وخير دليل على هذا الموقف الثابت، ما تحمله خطابات جلالة الملك عبد الله الثاني في المحافل الدولية، من دعوة صادقة للسلام، وتحذير صريح من استمرار الانتهاكات، لا سيما في فلسطين. ففي خطابه الأخير أمام البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ – فرنسا (يونيو 2025)، قال جلالته بصراحة مؤلمة:
"الآن هناك نسخة مخزية من إنسانيتنا تتكشف أمام أعيننا في غزة."
هذا الصوت الصادق الذي ينطلق من عمّان إلى العالم، ليس من باب الشعارات، بل من منطلق الدور التاريخي للأردن في الدفاع عن حقوق الأمة، وحماية الأمن الإقليمي دون أن يتورط في الفوضى أو يُستخدم كأداة لأي طرف.
الأردن، بقيادته الهاشمية وشعبه الواعي، يرفض أن يُستخدم الدم العربي كورقة تفاوض على طاولات القوى الكبرى. مواقفه، وإن بدت للبعض غير صاخبة، إلا أنها تنبع من الحكمة لا الضعف، ومن الإيمان الراسخ بأن الأمن والاستقرار الإقليمي لا يُبنى على أنقاض الدول، بل على الحوار والتفاهم والاحترام المتبادل.
إن الأردنيين اليوم، كما كانوا دومًا، يدركون حجم التحديات، لكنهم أكثر وعيًا بحجم مسؤوليتهم التاريخية. هم أبناء دولة لها سيادتها، ولها مكانتها، ومهما اختلفت مواقف الأشقاء أو تضاربت مصالح القوى، سيبقى الأردن نموذجًا للدولة التي تعرف متى تصمت، ومتى تتكلم، ومتى ترسم حدودها بثبات دون ضجيج.