التلفزيون، ذلك الصندوق الصغير الذي دخل حياتنا فجأة وغير شكل بيوتنا وأسلوب عيشنا، كان دائمًا قصة عشق بدأت منذ اللحظة الأولى التي أضاء فيها شاشته.
في الأردن، بدأ التلفزيون الرسمي بثه عام 1968، ومنذ ذلك الحين أصبح حلمًا وأملًا لكل بيت أردني. لم يكن امتلاك التلفزيون سهلاً آنذاك، فبعض الأسر اشترته منذ اليوم الأول، فيما اضطر آخرون للانتظار أو متابعة برامجه من خلال زياراتهم للجيران. في مدينة السلط، على سبيل المثال، كان عدد البيوت التي تملك جهاز تلفزيون يُعدّ على الأصابع.
أتذكر بيت عمّي صالح العيسى العربيات، حيث اشتريت عائلتنا التلفزيون في ذات العام الذي انطلق فيه التلفزيون الأردني، 1968. كانت تلك اللحظة أشبه بالسحر، إذ دخلت الشاشة البيت، ومعها دخل العالم كله.
في أوائل السبعينيات، لا أنسى أول مرة شاهدنا فيها المسلسل العربي "فارس ونجود"، بطولة محمود سعيد وسميرة توفيق. تلك الأصوات، ولحن الناي الحزين، لا تزال حاضرة في ذاكرتي حتى اليوم. كانت شخصيات المسلسل - شدّاد، الراعي سطوف، وفارس - تحفر أسماءها في مخيلتنا، وكانت لحظات الإثارة والمبارزات تمثل مسرحًا حقيقيًا من الفروسية والبطولة رغم بساطة الديكور وملابس الممثلين.
حتى رغم اللهجات المختلفة التي كانت تخلط بين الفصحى والبدوية واللبنانية، أحببناها، وصرنا نضحك ونبكي مع كل حلقة، وكأن التلفزيون لم يكن مجرد شاشة بل قطعة من القلب.
كنا ننتظر مواعيد بث الحلقات بفارغ الصبر، حتى أن الشوارع كانت تخلو من الناس، وكان الجميع أمام شاشاتهم الصغيرة، يعيشون نفس المشاعر والتجارب.
قبل أيام، شاهدت مسلسلًا بدويًا حديثًا عالي الإنتاج، وبالرغم من جودة التصوير والإخراج، لم أشعر بتلك الروح التي كان يتحلى بها ما كنا نتابعه. اليوم، التكنولوجيا أبهرتنا بالدقة والإتقان، ولكن تلك البساطة التي كانت تعبّر عن صدق المشاعر لا تعوضها أي كاميرا أو مؤثرات.
عام 1975، تحقق الحلم في بيتنا مع شراء تلفزيون توشيبا بحجم 20 بوصة، ثم في 1977 اقتنينا تلفزيون "شارب" 24 بوصة أبيض وأسود، بخزانة خشبية وأنتين داخلي. كانت تلك اللحظة نقطة تحول في حياتنا، إذ بدأنا نتابع البرامج بشغف من لحظة بدء البث حتى نهايته.
من برامج الأطفال، إلى السيرك، وعالم العلم والحياة، ونشرات الأخبار، والمسلسلات العربية، وأحيانًا الأفلام الأجنبية المترجمة، كان التلفزيون نافذتنا الصغيرة إلى العالم، ورفيق لحظاتنا العائلية التي كانت تحمل بساطة ودفء الحياة.
التلفزيون لم يكن مجرد جهاز، بل كان قصة عشق حقيقية نعيشها ونرويها بكل حب وحنين.