بينما يشهد الإقليم تصعيدًا متلاحقًا وتحليقًا كثيفًا للمسيّرات والصواريخ في سماء الدول المجاورة، يصرّ بعض الأصوات على خوض جدل بلا سند حول موقف الأردن السيادي من رفضه السماح بمرور هذه الوسائل القتالية عبر أجوائه. أصوات تتغذّى على الشعارات وتفتقر للفهم العميق لمفاهيم السيادة، الأمن القومي، وتقنيات الحرب الحديثة. وهؤلاء، في زحام الثرثرة، يغفلون أو يتغافلون عن أبسط الحقائق العسكرية والفنية، متناسين أن الدولة التي تتأنّى في إعلان موقفها، تفعل ذلك لحماية أرواح، لا لكسب إعجابات.
المملكة الأردنية الهاشمية، بقيادتها الهاشمية وأجهزتها السيادية، كانت واضحة لا لبس فيها، وعلى لسان جلالة الملك عبد الله الثاني وسمو ولي عهده الأمين ان أرض الأردن ليست ساحة حرب ولن تكون كذلك. وهذا الموقف الحاسم لا يصدر عن تردد، بل عن إدراك دقيق لما تعنيه السيادة، وما يتطلبه الحفاظ على حياة الأردنيين ومقدّراتهم.
إن الصواريخ الجوالة، مثلها مثل المسيّرات، تعمل بتقنية التوجيه الإلكتروني وتخضع لاحتمالات التشويش والتضليل. وفي حال تعرضها لأي خلل في النظام أو تشويش معادٍ، فإنها قد تتحوّل إلى أدوات هائمة، تضل طريقها وتصطدم بأقرب تضاريس مرتفعة، والتي قد تكون جبلًا أو مبنىً في مدينة أردنية. هذه الأخطار ليست نظرية، بل حوادث متوقعة ومجرّبة في مناطق نزاع أخرى، وتُظهر بوضوح أن مجرد عبور هذه الوسائل عبر الأجواء الأردنية يعني فتح باب الاحتمالات القاتلة.
بل إن الأمر لا يتوقف عند المسيّرات والصواريخ الجوالة؛ فحتى الصواريخ البالستية، وهي أدوات ذات مدى تدميري أكبر، مصمّمة تقنيًا للتخلّص أثناء تحليقها من الأجزاء الزائدة كخزانات الوقود أو وحدات الدفع بعد استخدامها. وهذا يعني أن تلك الأجزاء الثقيلة، التي قد تزن مئات الكيلوغرامات، قد تسقط تلقائيًا فوق أراضي المملكة إن كانت ضمن خطّ الطيران، ما يهدد سلامة المدن والبُنى التحتية، بل وحياة البشر.
ولا ننسى أن الصواريخ والمسيرات يمكن تضليلها إلكترونيًا فتُرصد لها مواقع خاطئة، وقد تفسّر التغييرات في التردد أو الإحداثيات على أنها أهداف بديلة. وفي ظل هذا النوع من التهديد غير المتحكم به، فإن أي تساهل أردني مع مرور هذه الأدوات يعني مغامرة مكلفة قد يتحمّل نتيجتها الأبرياء.
فهل يُطلب من الأردن أن يسمح بعبور هذا الخطر فوق رؤوس مواطنيه؟ وهل سيادته قابلة للمقايضة تحت ضغط العاطفة أو المزايدات السياسية؟ الأردن قالها بوضوح: لا مجال لتحويل أرضه أو سمائه إلى ممشى لصواريخ بلا ضمير، أو لطائرات تُدار من خلف الشاشات وتُفلت من السيطرة بسهولة.
منع المسيّرات والصواريخ من دخول الأجواء الأردنية لا ينمّ عن تردّد ولا حياد سلبي، بل عن مسؤولية وطنية راسخة تنبع من أولويات لا تقبل المساومة: حماية المواطن، وحفظ الاستقرار، وترسيخ السيادة. فسيادة الأجواء ليست ترفًا، بل خط الدفاع الأول عن الكيان والدولة والناس.
أما المتشدقون، الذين يكتبون مواقفهم في منشورات عاطفية، فعليهم أن يدركوا أن حماية الأرواح لا تُدار بالبلاغة، وأن السيادة ليست موضوعًا للتجريب ولا نداءً للمجاملة. إنها قرار دولة تعرف تمامًا ما تفعل، ومتى، ولماذا.
وهكذا، بينما يثرثر البعض في الهواء، يبني الأردن جداره الواقي بصمتٍ مدروس، ومواقف محسوبة، وسقف سيادي لا يُخترق.