في عيد الجيش العربي، يستوقفني هذا الحدث الوطني المجيد لأتأمل معاني الانتماء الحقيقية التي تَشرّبتها منذ نعومة أظفاري، والتي تشكلت في بيت لم يكن مجرد مسكنٍ يأوينا، بل كان مدرسة متكاملة للقيم والانضباط، وثكنة مصغّرة تفيض بروح العسكرية الأصيلة، حيث نشأت في كنف والدٍ ينتمي إلى المؤسسة العسكرية، ذلك الرجل الذي شكّل مثلي الأعلى، وقدوتي الأولى في فهم الرجولة بمعناها النبيل، والانتماء بوصفه التزاماً لا شعاراً ، منذ اللحظات الأولى التي بدأت فيها أعي ملامح العالم من حولي، كان مشهد والدي وهو يرتدي بزته العسكرية مشهداً يومياً، محفوراً في الذاكرة، مشحوناً بالهيبة، ومعبراً عن شرف الانتماء إلى الجيش العربي.
لم يكن الزي العسكري مجرد لباس رسمي، بل كان انعكاساً لقيم ومبادئ وموقف أخلاقي راسخ، وكان أيضاً كل تفصيل في تلك البزّة يحمل رسالة: في الشعار معنى الكرامة، وفي الرتبة دلالة على المسؤولية، وفي الوقفة التزام بحماية الوطن والمواطن. وبدون وعي، بدأت أتقمص هذه القيم وأعيشها، حتى أصبحت جزءاً من تكويني الشخصي.
لقد ترسّخت في داخلي مبادئ الجندية: الانضباط، الصبر، العطاء دون مقابل، والإخلاص للأرض والقيادة والوطن، حيث أن هذه المبادئ لم تكن عابرة، بل تسربت إلى تفاصيل شخصيتي، وانعكست على كل محطّة من محطات حياتي المهنية والمجتمعية، وحين انخرطت في العمل العام، كنت أحمل هذا الإرث القيمي كدرعٍ يحفظ بوصلتي، وكرؤية تؤطر قراراتي ومواقفي، لم أكن ممن ينقادون للعواطف الطارئة أو للظروف العابرة، بل كنت أنتمي لمدرسة راسخة، تعلمت فيها الثبات في الرأي، والانحياز للمصلحة العامة، والتجرد من الأنا.
وحتى في مواجهة الانتقادات أو التحديات، كنت أجد في انتمائي المعنوي للجيش العربي سنداً وعزوة، كنت أؤمن أن العمل من أجل الوطن ليس ساحة للاستعراض، بل ميدان للتضحية والتفاني، وقد وجدت في وسائل الإعلام والتواصل وسيلة لأوصل هذه القيم، وأقول بكل وضوح: أنا هنا لأخدم وطني بإخلاص، لا لأبحث عن مجدٍ شخصي.
إنني وإن لم أحمل رتبة عسكرية، فإنني أحمل في داخلي قيماً لا تقل أهمية عن أي نيشان، فالموقف المبدئي، والانضباط الذاتي، والولاء العميق للوطن، هي صفات لا تُمنح، بل تُكتسب بالتربية والإيمان والانتماء، وفي هذا اليوم الوطني العزيز، أوجّه أسمى مشاعر التقدير والامتنان إلى جيشنا العربي الباسل، حماة الوطن وسياج أمنه واستقراره، ورمز عزّته وسيادته، كل عام وجيشنا بخير، في ظلّ القيادة الهاشمية الحكيمة، وكل عام والأردن أقوى بهمة النشميات والنشامى المخلصين.