في مثل هذا اليوم، قبل أربعة وتسعين عامًا، رحل الشريف الحسين بن علي، قائد الثورة العربية الكبرى، وملك العرب، وخليفة المسلمين، الرجل الذي وهب عمره كله لقضية واحدة: نهضة العرب وحرية القدس. لم يكن الحسين مجرد قائد ثورة، بل كان حامل رسالة، ومؤسس فكر، وباعث أمل لأمة طال غيابها عن مسرح التاريخ.
من مكة المكرمة حيث بدأ أميرًا، إلى دمشق حيث رُفع علم العرب، وحتى القدس الشريف حيث اختار أن يُوارى الثرى، كانت سيرة الشريف الحسين بن علي سلسلة من المواقف العظيمة، المجبولة بالدم والعزة والتضحية. يوم أطلق رصاصة الثورة العربية الكبرى في 10 حزيران 1916، كان يؤسس لمرحلة جديدة، لم تكن سهلة، لكنها كانت ضرورية كي تنهض أمة نُسيت تحت ركام السنين.
قائد لم يساوم.. ومجاهد لم يضعف
رفض الشريف الحسين محاولات طمس المشروع العربي، ووقف بكل حزم في وجه معاهدة كانت تريد اقتطاع القدس من جسد الأمة، فكان نفيه ثمنًا لموقفه، وعزله عقوبةً على إخلاصه. في قبرص، حيث النفي والسجن المعنوي، بقي صلبًا كالرمح، حزينًا ككل عربي يرى وطنه يُسلَب وأمته تتفكك.
وعندما اشتد عليه المرض، عاد إلى عمان، ليرقد في قصر رغدان إلى أن حان أجله في 3 حزيران 1931، فاختار له التاريخ أن يُدفن حيث بُوصلة العرب ومسراهم الأول، في المسجد الأقصى المبارك، تكريمًا لبطلٍ لم يبدّل ولم يُساوم.
أمانة في أعناق الهاشميين
رحل الشريف الحسين، وبقيت الثورة العربية الكبرى مشروعًا حيًا يتجدد في فكر وقيادة أحفاده، وعلى رأسهم جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، الذي يحمل الأمانة، ويُجدد العهد بحماية القدس، والتصدي لكل محاولات طمس الهوية العربية والإسلامية فيها.
اليوم، ونحن نحيي الذكرى الرابعة والتسعين لوفاة هذا البطل، نستذكر مواقفه، ونتعلّم من ثباته، ونرفع رؤوسنا فخرًا بأننا أبناء مدرسة الشريف الحسين، مدرسة لا تعرف التبعية، ولا تركع إلا لله.
.. كما رثاه شوقي:
لك في الأرض والسماء مآتم
قام فيها أبو الملائك هاشم
نم قرير العين يا شريف العرب، فما زرعته من مبادئ لا يزال يحيا، وما دافعت عنه من القدس لا يزال أمانة في أعناق الهواشم الأوفياء.