في مساء هادئ كهدوئه الأبدي، أسدل الستار على حياة رجل من طينة الكبار.. رجل لم يكن كثير الكلام، لكنه كان مدرسة في الصبر، وعنواناً للأخلاق.
الوكيل أول المتقاعد محمد رجا محمد الحناينه، الزميل السابق في مديرية التوجيه المعنوي، رحل عن عالمنا أمس، وترك خلفه وجعاً لا يشبه أي وجع، وأرواحاً ما زالت ترفض التصديق أن "أبو رجا" لم يعد بيننا.
اليوم، الاثنين التاسع من حزيران 2025، بعد صلاة الظهر، في مسجد القدس بمأدبا، حملوه على أكتاف الوداع الأخير، إلى مثواه الذي لم نكن نتهيأ له، ولا هو ربما كان ينتظره بهذه السرعة.
بكته الجدران التي شهدت ضحكاته الهادئة، واشتاقت له المقاعد التي اعتاد أن يجلس إليها متأملاً أو ناصحاً.
محمد لم يكن مجرد موظف متقاعد، بل كان ذاكرة تمشي على الأرض.. كل من عمل معه يروي لك حكاية عن إنسانيته، عن يده التي لم تبخل، عن قلبه الذي لم يقسُ يوماً.
لم نسمع صوته في جدال، لكننا سمعناه مراراً في لحظات الحق، ووقفاته الصامتة كانت أبلغ من الخُطب.
كان حنوناً حتى في خلافه، نبيلاً حتى في غضبه، وصادقاً حتى في صمته.
كم من كلمة كان يرددها تُثلج الصدور، وكم من موقف انسحب منه حفاظاً على المحبة، لا ضعفاً. واليوم، غاب جسده، لكن بقيت تلك الكلمات عالقة في ذاكرتنا، وتلك المواقف ستُروى لمن لم يعرفه، دليلاً على أن الكبار يرحلون حقاً بصمت مؤلم.
رحمك الله يا أبا رجا، وغفر لك، وجعل مثواك الفردوس الأعلى.
صبر الله قلوب أبنائك وذويك، وألهمنا وأياهم حسن العزاء.