الطب البديل او العلاج التكميلي عرف قديما وحديثا وتطور عبر الزمن كمسار للعلاج مختلف عن الطب الحديث ( أطباء وعيادات ومستشفيات ) ..مختلف في طريقة العلاج ولكنه ليس مختلف في الأهداف ..فالهدف دائما هو صحة المريض وسلامته بإذن الله .. ولكن الاختلاف يتمثل في الوسيلة والأدوات ومقدم الرعاية وشهاداته العلمية وأيضا هناك اختلاف في معتقدات معينة تخص نظريات معينة في العلاج وأساليبه ..وهناك أيضا فرق هام في الصلاحيات الممنوحة للمعالج والتي يجب عدم تجاوزها ..
ومن هنا كان لزاما على كل المدارس التي تقوم بتعليم انواع ونظريات الطب البديل أن تركز على مفهوم أساسي وهو أن الطب البديل هو علاج تكميلي أي مكمل للعلاج في المؤسسات الطبية وبعد التشخيص الدقيق من الممارس الصحي الرسمي المرخص قانونا وهو عادة الطبيب بما يتضمن من إختصاصات مختلفة حسب حالة المريض واحتياجاته ..فهو علاج مكمل وليس بديل عن الطب الأصيل أو الحديث أو التقليدي وذلك بالرغم أن هناك حالات كثيرة تم علاجها بالطب البديل بعد أن أستعصت على الطب الحديث كما هو معروف .
ولكن لماذا حدث التداخل وإساءة الاستخدام من البعض سواء بقصد أو بغير قصد ؟
تتعدد الأسباب في ظل الفراغ القانوني الذي حدث منذ سنوات طويلة ومن هذه الأسباب :
اولا : ضعف الثقافة العامة عند بعض الناس الذين يلجأون للعلاج ، فهم لا يفرقون بين طبيب وبين معالج بالطب البديل وخصوصا مع الانتشار الكبير للألقاب للمعالجين بالطب البديل واستخدام كلمة دكتور ومستشار وأخصائي ..وطبعا هذه الألقاب لا تجوز فاختلطت الأمور وتداخلت ..والألقاب التي لم تصدر عن جهة مخولة بإصدارها لا تجوز من ناحية أدبية وقانونية وشرعية ويوجد فتوى بهذا الخصوص من دائرة الإفتاء العام .
ثانيا : غياب القوانين الناظمة للعلاج بالطب البديل مما أدى إلى أن ينبري البعض للعلاج وكأنه يعالج أي شيء في ظل هذا الفراغ القانوني
ثالثا : اختلاط المفاهيم لدى بعض ممارسي الطب البديل - وهم قله ـ والذين لم يسمعوا من قبل بمواضيع الصلاحيات الطبية والقضايا الطبية القانونية
(medicolegal issues)
وسعيهم إلى أي شيء يؤدي إلى الشهرة ولو كان على حساب صحة المريض وحقوقه وهنا يوجد نقص كبير في أساسيات التدريب لدى بعض الذين يقومون بالتدريب على جوانب الطب البديل باعتبار أن عليهم واجب ولهم رسالة يجب إيصالها والموضوع ليس موضوع عقد دورات وتخريج ثم عقد دورات وتخريج دون النظر إلى عواقب التدريب غير المكتمل من ناحية القيم والمبادئ باعتبار أن هذه مهن إنسانية تعنى بصحة الإنسان ولها أهداف سامية تنبع من الدين الحنيف والسنة النبوية الشريفة ومنظومة القيم المجتمعية ويجب أن تتماشى وتواكب التطور الذي حدث في مجال الطب التقليدي لا أن تتغول على تلك المفاهيم ومن أهمها الصلاحيات والاختصاصات ومن المعروف أن بعض مراكز التدريب وبعض الأسماء في مجال الطب البديل لم تركز خلال التدريب على وضع حدود او سقف أعلى للمتدربين حتى ظن البعض منهم خطأ أن بإمكانه عمل أي شيء لعلاج المريض ظنا منهم أنهم بذلك يساعدون المريض ..والحقيقة أنه بدون سياسات واضحة وأنظمة تضبط موضوع العلاج ستصبح الأمور " طعه وقايمه " وبالتالي قد يؤدي ذلك أن يخسر الجميع من معالج ومتلقي للعلاج ( وليس فقط المعالج نفسه بل وزملائه أيضا ) لأن الصفة السلبية قد تعم الجميع للأسف.
رابعا : سطوة رأس المال التي تفسد أي شيء ومنها منظومة القيم التي تحكم الموضوع ..ومن ذلك دخول ممارسات وانواع من العلاج ليست من مجال الطب البديل وبعضها يتسم بالخطورة مثل مواضيع سحب وتصحيح الفقرات وحقن الوجه ووصف الأدوية وغيرها .
خامسا : الظروف الاقتصادية الصعبة ووضع السوق العلاجي بشكل عام وكثرة التنافس بحيث أصبح العرض أكثر من الطلب .
سادسا : عدم وجود رقابة كافية على الاعلانات وعلى وسائل التواصل مما فتح الباب أمام التدفق الإعلاني الكبير وخروج جوانب منه عن السيطرة .
سابعا : إذا كان هناك أخطاء تحدث في مجال الطب الحديث أو التقليدي فذلك ليس مبرر للتغول عليه والواجب هنا هو المطالبة بتحسين وتطوير الطب الحديث وتأهيل الممارسين في مجاله .
ثامنا : عدم وجود مرجعية واحدة لممارسي الطب التكميلي في البلاد وعدم وجود توثيق واضح للنجاحات التي حدثت وعلاج بعض الحالات المستعصية ، ولو حدث هذا التوثيق لكان ذلك داعما للطب البديل وأهميته في المجتمع .
بالنهاية نحن نطمح إلى وجود ممارسة منضبطة لجوانب العلاج التكميلي تضع صحة المريض وسلامته اولا وعدم التغول على الجوانب الطبية الرسمية من طب وتمريض وصيدلة وعدم الدخول في اختصاصات أخرى مثل التشخيص ووصف الدواء أو طلب صور أشعة أو تحاليل مخبرية لأنها ليست من حقوق المعالج بالطب البديل بشكل رسمي وقانوني بنفس الطريقة التي لا يخضع فيها الطب البديل للتأمين سواء الحكومي أو العسكري أو شركات التأمين الخاصة .
واخيرا نطالب بتعزيز ثقافة الفصل بين انواع العلاج والتركيز على موضوع الصلاحيات وعدم تغول أي طرف على الآخر .. ومن الجدير بالذكر أن موضوع التغول هذا لا يقتصر فقط على ممارسي الطب البديل بل هناك الكثير من الأمثلة مثل بعض زملائنا واحبائنا الممارسين الصحيين غير الأطباء من اختصاصات أخرى مثل الصيدلة والأشعة والعلاج الطبيعي والتمريض وغيره والذين نحترمهم جميعا ونقدرهم.
لكن البعض منهم يقومون بالتشخيص ووصف علاجات لأمراض ليست بسيطة وبعض الإجراءات الطبية التي ليست من نطاق صلاحياتهم حتى وصلت الأمور عند البعض منهم كما نسمع إلى خدمات صحيه مثل مواضيع تركيب محلول وريدي أو حقن المفاصل والتي هي من صلاحيات اخصائي العظام والمفاصل مثلا لا الحصر ...
إننا بهذا الكلام لا نقلل من شأن الطب البديل لا سمح الله بل نعزز أهميته من خلال الممارسة المنضبطة واتباع المعايير الصحية وذلك لما نؤمن به من أهمية لوجود الطب البديل في المجتمع والذي يعكس إن شاءالله صورة ناصعة البياض عنه وعن ممارسيه الذين نحترمهم ونقدرهم .
والسؤال الاخير هنا متى سنعرف ما لنا وما علينا ونلتزم به ؟؟