رحل فجر اليوم عيسى المحادين، واحد من أعذب الأصوات وأكثرها تأثيرًا في تاريخ الإذاعة الأردنية، رجلٌ حمل المايكروفون بأمانة، وتحدث بصدق، ولامس قلوب الأردنيين على مدى عقود من الزمن.
بغياب المحادين، تطوى صفحة مشرقة من تاريخ إذاعة المملكة الأردنية الهاشمية، التي شهدت انطلاقته، وتألقه، وتحوّله إلى أحد أعمدتها الراسخة. فقد كان مذيعًا استثنائيًا، ومُحاورًا بارعًا، لا يُجامل على حساب المعلومة، ولا يُهادن على حساب مصلحة المواطن.
عُرف ببرنامجه الشهير "البث المباشر"، الذي صار نبض الناس وصوتهم الصادق، وبرنامج "مع الطلبة" الذي تبنّى هموم الشباب وفتح لهم نوافذ من الأمل والتعبير. لم يكن مجرد مذيع، بل كان ضميرًا إذاعيًا نقيًا، يُتقن الإصغاء كما يُتقن السؤال، ويعرف كيف يُوجّه الرأي العام نحو الحقيقة.
في زمن التحوّلات الإعلامية، بقي المحادين وفيًّا لمدرسة الإذاعة الجادة، محافِظًا على مهنيّته ورصانته، ولم يُغره البريق الزائف، بل ظلّ مخلصًا للكلمة المسؤولة والموقف النزيه.
اليوم، تخسر الأسرة الإعلامية الأردنية رمزًا من رموزها، ويخسر المستمع الأردني صوتًا اعتاد أن يجد فيه الحكمة والوضوح والمصداقية.
رحل عيسى المحادين… وسكت المايكروفون، لكن صدى صوته سيبقى عالقًا في الأثير، وفي وجدان من أحبّوه وتعلّموا منه.