حين تغيب الدولة عن الحي، يأتي من يملأ الفراغ بما يهدم القيم والهوية والانتماء، وهذا ما فعلته شبكات الإسلام السياسي في أي مكان ذهبت إليه، دون أن تخرق القوانين بشكل مباشر، وبالتالي فتسلل الصمت الإرهابي كعادته في ثياب امرأة ترتدي نقابات عده، وفي جنح الليالي تسري بسوادها كما كانت في مصر قبل ثورة يناير2011، لترتسم معالم مشروع أيديولوجي صامت، بطريقتهم المعهودة كما في بريطانيا وغيرها من الدول الحالكة في الظلام، وبمنظور رسمي لكنه الأن (ببجاحة) في دولة من دول الاتحاد الأوربي -الرجل المريض- إنها باريس مُشكلًا فيها نظاما موازيا يسير نحو التأثير السياسي المحلي، حتي انتبهت القيادة الفرنسية إلى خطر تغلغل الجماعة. التي تسيطر بشكل مباشر على 7 في المائة من المساجد والمراكز الإسلامية، ويتردد عليها 91 ألف مصل منتظم. فبينما تنشغل الدولة بمركزية القرار، يستثمر الإسلام السياسي ـ بنسخته الإخوانية والسلفية ـ الهامش البلدي، ليبني من هناك قواعده، فيمتد بأنشطته إلى الجماعات الثقافية والمراكز الرياضية والمدارس. وخلال الفترة من 2019 إلى 2024 تضاعف عدد أفراد الجماعة داخل الدولة، ليتغلغل في جذور المجتمع مُتسلقاً تربة فرنسا، لا من باب المواجهة، بل تحت غطاء الهوية والانتماء والخدمات.
من منطقة ليل شمالي فرنسا، مركز الثقل في هذه المنظومة، برز نحو 30 شخصية محلية تُعرف بأنها قيادات ضمن هذه الحركة، وتحتل مواقع مؤثرة داخل المؤسسات المحلية، ليمد أذرعه إلى منطقة ليون التي تُعتبر من أبرز النقاط الساخنة، وتتبنى نهجًا فكريًا قريبًا من جماعة الإخوان المسلمين إلى اتحاد الشباب المسلمين (UJM)، المتأثر بأفكار طارق رمضان، وهناك منطقة فيلوربان حيث مسجد عثمان الكبير، ومجمع ديسين الثقافي، الذي يضم مدرسة ومسجد الكندي. لنرى أن 94 جمعية تنشط في المنطقة، تصاعد على خلفيتها في مظاهر التديّن المتشدد، مثل ارتداء العباءة والحجاب من قِبل الفتيات الصغيرات، ما يخلق توترًا مع مراكز اجتماعية تتبنى سياسة «تعال كما أنت»، لكنها تواجه ضغوطًا هوياتية متزايدة. بل ووجود نظام موازٍ في مرسيليا حول ما يُعرف بـ«المركز الإسلامي لمرسيليا وعدة جمعيات ناشطة، بينها "شباب المسلمين في فرنسا”، ويديرها محسن نقزو، رئيس منظمة "مسلمو فرنسا"، ليكون هناك بالتوازي، هيكل جديد حول معهد «مسلم دي بلوه»، في مركز تجاري قديم، بقيادة شخص يُدعى إسماعيل
إذاً خطة التغلغل تلك، جاء في تقرير استخباراتي مؤلف من 74 صفحة أُنجز بطلب من مسؤولَين حكوميين رفيعي المستوى في مايو/أيار 2024، لتعكس الوثيقة قلق الفرنسيين من صعود أنظمة موازية للحكم، تمتد من التعليم إلى الفضاء الجمعياتي، ويُسهل لهم الاندماج والهُوية ويُهدد الأمن القومي، وذلك لأن الدولة الفرنسية تركت فراغًا محليًا استثمره الفاعلون الإخوانيون بذكاء، وكشف عن خريطة دقيقة لنشاط الإسلام السياسي في فرنسا صار أكثر تماسكًا وهيكلية لانتشاره داخل المدن الكبرى، بتوجهات إخوانية وسلفية، عكست وعيًا إرهابياً استراتيجيًا بضرورة «بناء أجيال» تتماهى مع المشروع الفكري طويل الأمد، وهو ما حمل فرنسا لتدخلًا متعدد المستويات، وليس فقط أمنيًا أو قانونيًا. ضد تلك «الأنظمة المتكاملة» التي أصبحت أكثر تعقيدًا وتنظيمًا. بإعادة تدوير للخطاب وتكييف محلي واضح للمجتمع الغافل، حيث يجري استثمار الدين كهوية وقوة ناعمة لبناء نفوذ سياسي غير معلن، والخطر الأكبر يُكمن في الدمج بين الخطاب الإخواني والخدمات الاجتماعية وهو ما فشل في مصر، لكن يبدوا أن الاستجابة الحكومية غالبًا ما تأتي متأخرة وتفتقر إلى المتابعة الدقيقة. @drIbrahimgalal