في زمن التفكك، حين صار كثير من "اليمنيين" يتنكرون لهويتهم، ويخجلون من لهجتهم، ويتبرؤون من وطنهم كأنه عارٌ على جبينهم... تظهر فتاة يهودية يمنية، وتقول للعالم: أنا يمنية، ولا أحد يستطيع أن ينتزع مني هذا الانتماء.
مايسة الرومي، التي لا تعيش في صنعاء ولا في عدن، ولا حتى في أي بقعة من أرض اليمن، تعيش في المنفى لكنها تحمل اليمن في صوتها، في حديثها، في ثيابها، في حنينها، وفي فخرها الذي لا ينكسر. فتاة لم تترك شيئًا من ملامح الوطن إلا وأعادته للحياة: من الجنبية إلى الصدور، من اللهجة إلى الرقص الشعبي، من الموروث إلى الكرامة.
هي لا تسكن بين الجبال، لكنها أكثر وفاءً من أبناء الجبال أنفسهم. لا تسمع أذان اليمن يوميًا، لكنها أكثر إيمانًا بالوطن من أولئك الذين باعوه من أجل وظيفة أو مصلحة أو جواز سفر أجنبي.
منذ متى صار الحب جريمة؟ منذ متى صار الانتماء تهمة؟ لماذا نغضب من فتاة أحبّت اليمن بصدق، بينما لا نغضب من آلاف من يتنكرون له كل يوم؟ لماذا يزعجنا ولاؤها، ولا يزعجنا خيانة من في الداخل؟
مايسة الرومي لم ترفع السلاح، لكنها أطلقت رصاصًا من نوع آخر: رصاصة في ضمير كل يمني خجل من يمنه، وانحنى أمام العَلَم الأجنبي، وباع لهجته وكرامته في أقرب مطار.
هي لم تقل إنها من نسل الملوك، ولم تطلب التصفيق، لكنها فرضت احترامها، لأنها قالت الحقيقة كما هي، ولم تلبس قناعًا يناسب الجمهور.
مايسة ليست بطلة بالمعنى التقليدي... لكنها تذكيرٌ صارخٌ بأن الخيانة لا تحتاج إلى تصريح، والوفاء لا يحتاج إلى إذن. ويكفينا اليوم أن يأتينا درسٌ من يهودية لتوقظ فينا شيئًا من شرف الانتماء.