يقول الحق في كتابه العزيز "إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى ٱلسَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ”، في زمن امتلأت فيه المنابر بالصخب، وازدحمت القنوات بالخطاب المتلوّن، وتزايد الذباب الإلكتروني، وتنظيمات التخريب، ندعو إلى لحظة تأمل ووعي، فليس كل ناطق بالحق ناصح، ولا كل متكلم بالعقل حكيم، لقد حذّر منذ القدم من تجّار الفوضى، فقال سقراط "حين تسكت الأبواق الزائفة، يُسمع صوت الحقيقة”، وقال أفلاطون: "إن الذين يُثيرون الفوضى باسم الحرية، لا يريدون حرية، بل يريدون فوضى”.
نعيش اليوم بين قنواتٍ ووسائل، يُمثلها أفراد تحرّكهم أطماع شخصية، وانتماءات ضيقة، وأجندات لا تمت لهذا الوطن بصلة، يتخذون من قضايا الناس جسورًا للعبور إلى نواياهم الخفية، يختبئون خلف شعارات الحرية، وهم لا يسعون إلا لزعزعة الأمن وتقويض الاستقرار، ولكنّ الأمن، يا سادة، ليس مسؤولية الأجهزة الأمنية فقط، وإن كانت جهودهم تُرفع لها القبعات، وتُرفع لها الأكف ضراعةً، بل مسؤولية كل مواطن، في الدفاع عن أرواحنا ووطننا، كلن في موقعه، لا نسمح لأي من المندسين بيننا، لقوله تعالى "وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ”.
أما من يتحدث عن الاقتصاد والبطالة وكأننا في جزيرة معزولة، فهو تبسيط ساذج لمعادلة معقدة، فنحن جزءٌ من منظومةٍ اقتصادية دولية، تتقلب فيها الأسواق كما تتقلب الرياح، ومع ذلك، بفضل الله، وحكمة القيادة الهاشمية، ننعم بأمنٍ هو النعمة الكبرى، ومن أراد أن يسلّط الضوء على الفساد، فليبدأ بنفسه، فالمفسد لا يأتي من كوكب آخر، بل من بيننا، ممن صمتوا عن الباطل أو صافحوا الظالم، كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه "لا يُصلح الناس إلا من وُشدَ بهم فسادهم”، أما الكرامة فلا تُختزل في رخاءٍ ماديّ، ولا تُقاس بشحّ المال، ولا بنقص الرزق، بل تُقاس بثبات القيم وسموّ النفس، فكم من الأنبياء عاشوا الزهد! وها هو نبيّنا محمد ﷺ، كان يمر عليه الهلال والهلالان، ولا يوقد في بيته نار، بات جائعًا ليالي، لكنه كان غنيًّا بالعزّة، مشبعًا باليقين، وهو أشرف الخلق وسيد البشر.
فلتكن وحدتنا درعنا، واستقرارنا حصننا، لنحفظ وطننا كما نحفظ أرواحنا، ولنسند قائدنا، جلالة الملك عبد الله الثاني حفظه الله ورعاه، في كل معركة يخوضها من أجلنا، سواء كانت سياسية، أو اقتصادية، أو أمنية.
وقال الحق "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم”، فلنبدأ بأنفسنا، ولنكن جنودًا للوعي، وجدرانًا تردُّ عن الوطن كل سهم خيانة، ونمتثل لقوله تعالى، "بل نقذفُ بالحقِّ على الباطلِ فيدمغهُ فإذا هو زاهقٌ”.
إننا أمام أدوات ناعمة تسعى لزعزعة الأذهان قبل الأوطان، وأفرادٍ يتوارون خلف قناع النقد، لكن نواياهم مسمومة، الوطن ليس مادةً للاجتهادات المتطرفة ولا ساحةً لتجارب المراهقة السياسية، بل هو كيانٌ مقدّس، محفوظٌ بوعينا كما هو محفوظٌ بقوانيننا، نقف صفًا لا يتزعزع، وجبهة لا تُخترق، فالكرامة لا يُؤتَى بها من الخارج، بل تُنتزع بالوعي، وتُصان بالولاء، وتُعزز بحُسن الفهم لقيمة الدولة.
فلنكن كما أرادنا الله: "أشداء على الكفار رحماء بيننا”، فلنكن مع الوطن، عقلاء في الرأي، أمناء في الكلمة، صادقين في الموقف.