حين يُذكَر الأردن، لا يجيء الاسم عاديًّا في القلب، بل يهتز له وجدان من عرف معنى الانتماء، ومن تشرّب ترابه حبًّا، وارتوى من مائه وفاءً، وقرأ في ملامحه تاريخًا لا ينضب، وكرامة لا تنكسر، وعزّة تأبى الانحناء.
الأردن ليس مجرد وطن نُقيم فيه؛ إنه وطن يقيم فينا. يسكن في الطريقة التي نحب بها، في اللغة التي ننطقها، في الهواء الذي نتنفّسه، وفي الكرامة التي لا نفارقها. هو أكثر من حدود وخريطة، إنه فكرة، ومصير، وتاريخ مشترك، وذاكرة محفورة في القلب منذ الطفولة الأولى.
تلك الجبال الصامتة، وتلك البوادي الممتدة، وتلك المدن التي تتجاور فيها الأصالة والحداثة، ليست معالم جغرافية فقط، بل هي شواهد على وطنٍ صاغ نفسه بالحبّ والصبر، وكتب تاريخه بالحكمة لا بالصراخ، وبالثبات لا بالادعاء.
في الأردن، تعلمنا أن الكبرياء لا تحتاج إلى ضجيج، وأن الفقر حين يُرافقه الشرف، أغنى من كنوز الأرض. تعلمنا أن الوطن لا يُقاس بما يملكه من ثروات، بل بما يملكه من رجال، من قيم، من مواقف لا تُباع، ومن أيدٍ تعمل بصمت لتصنع الغد.
أحبك يا أردن كما يُحبّ القلب نبضه؛ لا أراك بعين العاطفة وحدها، بل بعين العقل والوفاء. أحبك حين تضيق الدنيا، فأجد فيك الاتساع، وأحبك حين يُحاصَر الحلم، فأراك المعبر إلى الرجاء.
أيها الوطن، إن ضاقت بنا الطرق، فأنت الطريق. وإن جار الزمان، فأنت المأوى. وإن نسينا أنفسنا في زحمة الأيام، فوجهك يذكرنا بمن نحن، ويعيدنا إلى الجذور، إلى النبع، إلى المعنى.
حبك يا وطني ليس لحظة انفعال، ولا نشيدًا مؤقتًا، بل هو حياة كاملة تُبنى على الإخلاص، على العمل، على الإيمان بأنك الأجمل، والأبقى، والأحق بأن نحيا لك، ونفنى لأجلك إن لزم الأمر.
وإن كان للأردن من وجه يضيء طريقه، فإن الهاشميين هم ذلك الوجه، وهم الضوء. منذ أن وطئت أقدامهم ثرى هذا الوطن، حملوا الأمانة في القلب والعقل، وكتبوا تاريخهم وتاريخنا بالحكمة والعدل، لا بالبطش، وبالرحمة لا بالغلبة. في كنفهم كبر الوطن، وصمد، وتقدم. لم يكونوا ملوكًا فقط، بل كانوا آباءً لهذا الشعب، يسيرون بين الناس ببساطة النبلاء، ويرفعون راية المجد لا لأنفسهم، بل لكل أردني يؤمن بأن الوطن يستحق.
في ظل الهاشميين، عرفنا معنى القيادة المسؤولة، وقرأنا في عيونهم همّ الوطن، وسمعنا في خطابهم نبض الناس، ووجدنا في مواقفهم عزاءً في الشدة، واحتفاءً في الفرح. فبوركت السلالة، وبورك الوطن الذي اختارهم واختاروه.
سلامٌ عليك يا أردن، عدد ما فيك من شجر، وعدد ما نُكِنّ لك من فخر.
وسلامٌ على الهاشميين، ما دام الوفاء قيمة، والعدل رسالة، والوطن أغلى ما نملك.