اسمعوا مقالًا، فيه فُصولٌ من عِبَر، وفيه شاهدٌ لِمَنِ اعتَبَر، وفيه قولٌ لِمَن عرفَ قدرَ الوطن، ومقدارَ الرجال.
ألا إنّ كتابَ مَلِكٍ وشعبٍ ليس ديوانَ مدح، ولا سجلًا يُزخرف، بل هو مرآةُ عهد، ورمزُ سياسة؛ فيه تُسجَّل الأعوام، وتُحصى الخطى، وتُبصر فيه سيرةُ الملكِ عبد الله الثاني بين رعيّته، حاضرًا لا غائبًا، قريبًا لا بعيدًا، يُصغي إليهم وجهًا لوجه، ويُشاركهم بناءَ الوطن يدًا بيد، ويمضي معهم خطوةً بخطوةٍ نحو مرافئ المجد.
أيها القارئون…
إنّا نقرأ في هذا الكتاب عشرين عامًا من الفعل، لا القول؛ ومن الجهد، والعمل، والبناء:
مدارسٌ شُيّدت، ومستشفياتٌ أُقيمت، وزروعٌ سُقيت، وقرًى أُعيد إليها الأمل.
وشهد الناسُ على ذلك، لا سامعين متفرّجين، بل فاعلين في البناء، حاضرين في التغيير.
لقد صدر عن ديوان الملك كتابٌ، لم يكن فيه الملكُ راويًا، بل كان فاعلًا ومُبادرًا؛ نزل إلى الناس، سمع شكواهم، عاين شؤونهم، وأطلق القولَ فعلًا، والمبادرةَ أثرًا، وكان صانعًا لما كان.
ألا وإنّ في هذا السفر الوطني حكمة، وفي الحكمة بصيرة، وفي البصيرة نفعٌ لمن رام فهمَ العلاقةِ ما بين الملكِ ورعيّته من وشائج؛ مجبولةٍ بعرق الوطن وعشقه.
زراعةٌ أُعيد لها اعتبارها، وتعليمٌ قُوِّي أساسه، وشبابٌ شُحِذ سلاح فكرهم، ونساءٌ اعتُبرن من صنّاع التحوّل، لا من حواشي المجتمع.
والمشاريعُ عمّت البلاد؛ لا قريةَ إلا نالها نصيب، ولا ناحيةَ إلا أصابها أثر، والخيرُ الملكيُّ يسير حيث يكون الواجب.
أيها القوم…
وإذا بلغنا ذكرى الاستقلال، فليس ذاك طقسًا يُردَّد، ولا نشيدًا يُقال، بل وقفةٌ يُنظر فيها:
هل حافظنا على العهد والوعد؟
وهل الاستقلال باقٍ في الأفعال، أم أضحى ذكرى في الاحتفالات؟
الاستقلالُ لا يُقاس بما يُرفَع من رايات، بل بما تُصان به الكرامات، وتُرعى به الحقوق، وتُسدّ به الفجوات.
فإذا كان العدل جاريًا، والقرار نابعًا، والخدمة تُعطى دون تفريق... فذاك هو الاستقلال الحق.
وقد كتب الملكُ في أوراقه، لا ليُملي، بل ليُشارك؛ ولا ليأمر، بل ليُحاور.
قال فيها قولًا، هو للفكر زاد، وللحُكم ميزان:
إن العدل لا يكون زينةً في المجالس، بل ممارسةً في المؤسسات؛
والمواطنة ليست تفضُّلًا، بل شراكة؛
والإصلاح لا يُنتظر، بل يُصنع بالأيدي والعقول.
كلماتٌ، لو سمعها الخطباء، لوعظوا بها، ولو وعاها المسؤولون، لكان النهج رشدًا في عملهم.
فيا أبناء الاستقلال...
يا من ورثتم من رجالات الأمس سيوف الكرامة، ومشاعل الحكمة،
اعلموا أن حمايةَ الوطنِ مسؤوليةٌ، لا زينةً؛ وعملٌ، لا مباهاةً؛ وشراكةٌ في القرار، لا تفويضًا بلا مساءلة.
ومن رام المجد، فليتقدّم دون منّ،
ومن أراد الذكرَ الطيّب، فليُؤسِّسْ للناس، لا لنفسه، ومن تولّى موقعًا، فليكن له أهلًا.
يا أهل الديار…
هذا الكتابُ ليس طباعةً تُجمَّل، بل وثيقةٌ تُحمَّل؛ فيها نبض الزمان، وصوت المكان، وخارطةٌ لأثرٍ لا يزول.