يُعدّ عيد الاستقلال الأردني من أهم المناسبات الوطنية التي يحتفل بها الأردنيون كل عام في الخامس والعشرين من أيار، حيث يستحضرون ذكرى التحرر من الانتداب البريطاني في عام 1946، وولادة الدولة الأردنية المستقلة تحت قيادة المغفور له الملك عبدالله الأول ابن الحسين، مؤسس المملكة الأردنية الهاشمية. في هذا اليوم، يتجدد الفخر الوطني، وتُرفع الأعلام، وتتزين الشوارع والساحات، وتُقام الفعاليات والمهرجانات التي تعبّر عن حب الوطن والانتماء له.
لكن لا يكفي أن نحصر عيد الاستقلال في إطار احتفالي أو شعارات تُمجّد ذكرى ماضية فقط، بل يجب أن يكون مناسبة متجددة نُعيد فيها تعريف معنى الاستقلال، لا كحدث تاريخي مضى، بل كفعل مستمر ومتجدد. كيف يكون الاحتفال بالاستقلال إن لم يتحول إلى لحظة نُراجع فيها أنفسنا؟ لنبتعد عن تمجيد الذكرى فحسب، بل لنجعل من كل عام استقلالًا يتجدد، يعكس سيادتنا، وعزيمتنا، ورؤيتنا لمستقبل أفضل.
السيادة هي قرار مستقل، وتنمية مستدامة، وعدالة اجتماعية، واقتصاد منتج يُقلل من التبعية، ومجتمع يشارك بوعي في رسم السياسات وتحديد الأولويات.
إن أعظم احتفال بالاستقلال هو أن نعمل لنكون مستقلين في إرادتنا، مكتفين في إنتاجنا، واقعيين في تطلعاتنا. وأن نستقبل كل ذكرى استقلال برؤية وطنية جديدة، تتحدى الواقع، وتتجاوز العقبات، وتُقدّم حلولًا حقيقية.
ومنذ لحظة الاستقلال، انطلقت المملكة في مسيرة بناء الدولة الحديثة، وواجهت تحديات سياسية واقتصادية واجتماعية كثيرة. لكن الأردن، بقيادته الهاشمية ووعي شعبه، استطاع أن يحافظ على أمنه واستقراره، وأن يؤسس لنموذج من التماسك الوطني والاعتدال السياسي. ومع ذلك، فإن روح الاستقلال تستدعي منا اليوم أن نكون أكثر جرأة في مراجعة المسار، وأكثر وضوحًا في تحديد أهدافنا الوطنية.
وفي كل عام، يُجدد الأردنيون عهد الولاء والانتماء، لكنهم أيضًا يُسائلون أنفسهم: هل نحن أوفياء فعلاً لمعنى الاستقلال؟ هل نُسهم في نهضة وطننا؟ هل نشارك في بناء مؤسساته بشفافية وعدالة؟ هذه الأسئلة يجب أن تكون جزءًا من الاحتفال الحقيقي، لأنها تُمثّل الوعي الحيّ الذي يصنع الفارق بين ذكرى تُروى، واستقلال يُصنع كل يوم.
ومن واجبنا اليوم أن نُجيب على تساؤل مهم: كيف نُقنع أبناءنا، والأجيال التي لم تعش لحظة الاستقلال، أنهم ليسوا مجرد ورثة لتاريخ، بل صُنّاع لواقع جديد واستقلال متجدد؟ كيف نُشعرهم أن مسؤوليتهم لا تقل عن مسؤولية من سبقهم، وأن دورهم أساسي في الحفاظ على الاستقلال وتعزيزه؟
الأجيال التي تخرج كل عام للاحتفال بهذه المناسبة الوطنية، وحتى الأجيال القادمة، هم في قلب هذا المشروع الوطني. وعلينا أن نُشركهم في فهم التحديات، وتعزيز قيم المواطنة، وتحفيزهم على الإبداع والمشاركة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
إنهم صانعو المستقبل، وإن مسؤوليتنا أن نمنحهم الأدوات التي تجعلهم واثقين بأنهم قادرون على حماية هذا الوطن، لا بشعارات فقط، بل بعمل يومي، وموقف وطني، ووعي ناضج بمكانة الأردن ودوره.
كل عام والأردن بخير، حرًا، قويًا، برؤية أبنائه، وبإرادة لا تعرف التبعية، وبأمل يتجدد في كل ذكرى استقلال.