بقلم: الشيخ محمد فنيخر البري (أبو رياض)
نعم، الاستقلال هو ذخيرةُ القلوبِ المؤمنة، وهو حصيلةُ الماضي، وأمانةُ الحاضر، وإرثُ المستقبلِ الثمين.
لقد اختلطَ بدمائنا، وبأمشاجِ قلوبِنا، وبمصابيحِ أرواحِنا، وبنورِ عيونِنا.
لا شيء يعلو عليه، ولا أولويةَ تتقدّمه، ولا غايةَ أبعدَ منه...
إنّه استقلالُنا، رمزُ وجودِنا، وسرُّ بقائنا، وأساسُ مسيرتِنا.
نتنعمُ به حصنًا منيعًا لا يُقدّرُ قدرُهُ إلا من ذاقَ مرارةَ العيشِ دون حرية، وسقفًا كبيرًا يؤوي تحتَه الأحبةَ جميعًا، مُتمتّعينَ بالأمنِ والأمانِ، لا يؤرقُهم خوفٌ ولا يقلقُهم تهديد.
هذا هو الاستقلالُ الذي استظلَّ بفيئِه الأنصارُ والمهاجرون على حدّ سواء، إذ مدّ ظلَّه الوارفَ، وأمنه الشاملَ لكلِّ طارق ليلٍ أو عابرِ سبيل.
وتتّسعُ دائرةُ مسؤوليتنا، وطنيًا وفرديًا، لصون استقلالنا، في انعكاسٍ صادقٍ لعمقِ وعينا.
فالمساسُ باستقلالِ الأردن وسيادتِه هو مساسٌ بالإنسانيةِ جمعاء، وبالأردنيين خصوصًا؛ لأنّ مواقفَ الأردنِ عبرَ تاريخه كانت دومًا تدورُ في فلكِ خدمةِ الإنسان، وحفظِ كرامتِه، وصيانةِ حقوقه.
وقد برزت مواقفُ الأردنِ المشرّفة في محيطه العربيّ، فكان ولا يزالُ الداعمَ الأوّلَ لقضايا الأمة، وعلى رأسها القضيةُ الفلسطينية، توأمُ التاريخِ والجغرافيا.
ومن هنا، فإنّ أي تشويهٍ لمواقفِ الأردنِ النبيلةِ تجاهَ الأشقاء، هو في جوهره تشويهٌ للقضية الفلسطينية نفسِها، ومحاولةٌ لإضعافِ قدرتِها على الصمود والمواجهة.
وفي كلّ عيدٍ من أعياد استقلالِنا، نؤكّدُ أنّ صونَ الاستقلال لا يتحقّقُ بالفتنِ، بل بالوحدةِ والالتفافِ حولَ قيادتِنا الهاشمية الحكيمة، التي وضعتْ مصلحةَ الأردن والأردنيين فوقَ كل اعتبار، دون أن تغفلَ عن قضايا العرب والمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.
إنّ الأردنّ، على صغرِ حجمه الجغرافي، مُحاطٌ بتحدياتٍ ومخاطرَ جسام، مما يُضاعفُ واجبَنا في تقويةِ جبهتنا الداخلية، وتعزيزِ وحدتنا الوطنية، كفسيفساء متينة تتشكّل من خيوط الكوفية الحمراء، التي يساوي كلُّ خيطٍ منها دماءَ شهداءٍ حملوا لنا أمانةَ الاستقلال.
الاستقلالُ هو أبجديّتُنا الأولى، وقصيدتُنا الأجمل، وبريقُ الذهبِ في سنابلِ قمحِنا، وزهوُ الدحنونِ في بيوتِنا.
علينا أن نُدركَ قيمتَهُ في تفاصيلِ يومِنا، وألا يدفعَنا الاعتيادُ على نعمِه إلى التفريطِ بها أو الزهدِ فيها.
صباحُكم استقلالٌ
يُشرقُ في وجهِ كلّ طفلٍ يولدُ على هذا الثرى الطاهر، صباحٌ يُرافقُ خطواتِ أبنائنا نحوَ المدارس، لا يشغلُهم فيه سوى طموحهم، صباحٌ يؤرّقُ عيني أبي الحسين، ولا يزيدُه إلا ثقةً بالله، وإيمانًا بوعدِه وصدقِ رسالتِه.
صباحُكم استقلالٌ تتنسّمون فيه عبقَ الراياتِ مع كلّ نسمةِ هواء، تهمسُ في آذانكم أنَّ حبَّ الوطنِ يعني حفظَ أمنِه واستقلالِه، وأنَّ الاستقلال ذخيرةُ القلوبِ العامرةِ بحبِّ الأردن.
وفي هذه المناسبة الوطنية العزيزة، نرفع إلى مقام سيّدنا ومولانا جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين المعظم، وولي عهده الأمين، حفظهما الله ورعاهما، أسمى آيات التهنئة والتبريك، مؤكدين أنَّنا على عهدِ الآباءِ والأجدادِ في الولاءِ والانتماءِ والفداءِ للقيادةِ الهاشميةِ الحكيمة.
حفظ الله الأردن عزيزًا منيعًا، عصيًا على كلّ التحديات، بقيادة عميد آل البيت الأطهار، جلالة الملك عبدالله الثاني، وولي عهده الأمين.
وكل عامٍ والأردن بخير، عزيزًا بجيشه وأجهزته الأمنية وشعبه الذي لا يعرف إلا المجد والعلا.