ستظل خاصرة الأمة العربية تنزف وجعًا، ما دامت أراضٍ وشعوبٌ منها مقتطعة ومجزأة. ومن بين أبرز تلك القضايا المنسية تبرز قضية الأحواز العربية، التي لم تكن يومًا قضية انفصال كما يُروّج، بل هي قضية تحرير من احتلال جثم على صدرها منذ عام 1925
ورغم كل أشكال القمع والإقصاء التي تمارسها السلطات الإيرانية، لا يزال الشعب الأحوازي يناضل نضالًا مشروعًا من أجل استعادة هويته وحقوقه، متشبثًا بأرضه وتاريخه، ومقاومًا محاولات محوه من الذاكرة العربية
لقد أثبتت الوقائع التاريخية حجم الاستهداف الممنهج الذي تعرّض له الأحوازيون العرب من قِبل إيران، بمباركة أو صمت من حلفائها التاريخيين، وعلى رأسهم بريطانيا، التي لعبت دورًا خفيًا في تسهيل ضمّ الأحواز إلى الدولة الإيرانية.
الأحواز، أو كما يُطلق عليها "عربستان” سابقًا، و”خوزستان” في الخطاب الرسمي الإيراني، تقع جنوب غرب إيران، وتطل على الخليج العربي. هي أرض عربية أصيلة، ضاربة في جذور التاريخ، عربية اللسان والهوية. لكنها خضعت للاحتلال الإيراني مطلع القرن العشرين، لتصبح منذ ذلك الحين مسرحًا لصراع طويل الأمد بين الهوية القومية والسلطة القمعية
على مدى عقود، عانى العرب الأحوازيون من القتل، والتشريد، والتفقير، والتجهيل، فضلًا عن محاولات منهجية لطمس هويتهم من خلال منع التعليم بالعربية، وتغيير أسماء المدن والأنهار، وتشجيع التهجير السكاني الممنهج
ورغم ذلك، ظلّ الأحوازيون مثالًا يُحتذى به في الصمود
والبطولة، وحافظوا على تراثهم وثقافتهم العربية، كما تصدّوا بكل بسالة لمحاولات تغيير اسم الخليج العربي إلى الفارسي
تأتي الأهمية الاستراتيجية للأحواز من موقعها الجغرافي، إذ تحدّها العراق من الغرب، وتقع على ضفاف الخليج العربي، وتحتوي على حوالي 80% من احتياطي النفط الإيراني، بالإضافة إلى أغنى منابع المياه (مثل نهر كارون)، وأراضٍ زراعية خصبة. ورغم كل هذه الثروات، يعاني سكانها من الفقر، والتلوث البيئي، وسوء الخدمات، في ظل سياسات تمييز عنصري مفضوحة
وقد ألحق النظام الإيراني بشعب الأحواز ويلات لا توصف، من مجازر جماعية إلى اعتقالات واسعة، وتضييق على الحريات، ومعاملة تقوم على نزعة قومية متطرفة تتجاهل حقوق الإنسان، وسط صمت إقليمي ودولي مريب
والمؤسف أن قضية الأحواز لا تحظى بالاهتمام الذي تستحقه على الساحة العربية، رغم أنها لا تقل أهمية عن القضية الفلسطينية، بل هي جزء مكمل في الصراع من أجل الكرامة والسيادة والهوية. فالأحواز ليست مجرد إقليم محتل، بل هي معركة مفتوحة بين عربٍ ينادون بالحرية، وسلطة تُمارس التغريب والإقصاء
لا يعرف كثير من العرب عن الأحواز ما ينبغي معرفته، رغم أن سكانه عرب أقحاح، دافعوا عن عروبتهم ودفعوا من أجلها دماءهم الطاهرة، ولا يزالون متمسكين بتراثهم، بلغتهم، وعاداتهم، رغم كل محاولات الطمس والتغييب
إن قضية الأحواز وشعبها الصامد تستحق أن تكون حاضرة في وجدان كل عربي. فهي قضية هوية وكرامة، وهي امتحان حقيقي لمدى تماسك الموقف العربي إزاء قضايا الأمة المصيرية