في خضم المشهد الإنساني الأكثر قسوة في غزة، وفي لحظة تاريخية تختلط فيها الدماء بالرماد، لم يكن مستغربًا أن تظهر أصوات تُشكك، لا في الفعل، بل في نوايا من يفعل. وبينما كان الأردن يفتح مجاله الجوي ومعابره وقلبه لإيصال المساعدات، خرج من يزعم أن هذا الجهد ليس إنسانيًا خالصًا، بل "فرصة للتكسب".
دعونا نبدأ من هنا:
حين يُساء الظن بدولةٍ قدّمت آلاف الأطنان من الإغاثة في ظروف إقليمية معقدة، فإن المسألة لا تتعلق بتحقيق صحفي، بل بحملة منظمة لتقزيم ما لا يمكن تقزيمه. وعندما يُساءل الأردن عن دوافعه، فكأننا نُسائل الشمس عن نيتها في الشروق.
ما لا يمكن تجاهله، أن كل ما تم من دعم وإغاثة لغزة كان بإشراف مباشر من جلالة الملك عبدالله الثاني، الذي تابع شخصيًا تفاصيل إقامة جسر جوي إنساني إلى قطاع غزة، بالتعاون الكامل مع نشامى القوات المسلحة الأردنية – الجيش العربي، الذين تولّوا مهمة إيصال المساعدات بأقصى درجات الدقة والسرعة والالتزام الإنساني.
لم يكن الأمر قرارًا عابرًا، بل موقفًا ملكيًا أخلاقيًا ثابتًا، تحوّل إلى منظومة عمل ميداني استمرت بلا انقطاع.
الدولة التي عملت بهدوء، واستمرت بلا ضجيج، لم تكن تنتظر منابر تروي قصتها، بل كانت تكتبها بالفعل الصامت والجهد المتواصل.
الهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية لم تردّ بالكلام، بل قدّمت جدولًا زمنيًا محكمًا، بأرقام دقيقة، وصور موثقة، وشهادات ميدانية تثبت أن الجسر الإغاثي الذي انطلق ، لم يكن جسر عبور فقط، بل جسر ضمير.
ليس من المنطقي أن يُطلب من الأردن أن يبرر إنسانيته . فالعلاقة التي تجمع الأردن بغزه و بفلسطين لا تُختزل في موقف سياسي أو موسمي .
وفي نهاية المطاف، لا يقلق الأردن من الطعن، لأن رصيده في الميدان لا تصنعه العبارات، بل الشواهد.
ليست هذه أول مرة يُساء فيها فهم الموقف الأردني، وربما لن تكون الأخيرة. لكن ما نعرفه، وما تعرفه غزة نفسها، أن الأردن حين يعطي، لا يرفع لافتة، ولا ينتظر شكرًا. هو يفعل ذلك لأنه يرى في الإنسان قيمة، وفي فلسطين مسؤولية، وفي الكرامة مبدأ لا يخضع للمساومة.