من يشعل نار الحرب لن يستطيع إخمادها، تبدأ الحرب عادة بمستصغر الشرر، ثم تأخذ بالانتشار والتوسع، حتى تشمل رقعة جغرافية واسعة، وتخرج عن نطاق السيطرة، ولا يستطيع كائن من كان إطفاء حرائقها. هكذا هي الحروب عندما تنطلق لا تستطيع أي قوة الوقوف في طريقها، وهذا حال إيران حين قررت الدخول هي ومحورها الممتد من سوريا ولبنان مرورا بالعراق وصولا إلى اليمن، في حرب مع إسرائيل، وفي ظنها أن بمقدورها ومحورها إلحاق هزيمة بإسرائيل، أو على الأقل فرض شروطها في ما يتصل برفع العقوبات المفروضة عليها، وإفشال التطبيع العربي الإسرائيلي، الذي قد يتطور إلى تحالف عسكري (عربي - إسرائيلي)، موجه لها بدرجة أساسية، لإفشال مشروعها التوسعي في المنطقة، الذي بات يهم التحالف الثنائي بين العرب وإسرائيل.
بعد سنوات وعقود من إنشاء طهران لحلف عسكري في المنطقة، يستند على أساس وحدة البعد المذهبي، وإنفاق إيران أموال طائلة في تسليح وتدريب حلفائها، حانت اللحظة المناسبة للاستفادة من محورها، في خدمة مشروعها السياسي، فأوعزت إلى حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، بتفجير الموقف، من خلال القيام بعملية عسكرية واسعة لاستهداف المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، فيما أطلقت عليه بعملية (طوفان الأقصى)، وكان توقيت انطلاق هذه العملية يحمل مدلول سياسي هام، إذ أتت في ٧ أكتوبر ٢٠٢٣م، وذلك لتنشيط الذاكرة القومية العربية، بالتذكير بحرب أكتوبر ١٩٧٣م، التي انطلقت في السادس من اكتوبر، وحقق فيها العرب انتصارا ساحقا على إسرائيل.
ارتكبت طهران خطأ فادح في تقديرها للأمور، ودفعها للتصعيد مع تل ابيب، حيث استعانت الأخيرة بحلفائها الغربيين وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأميركية، بشكل يجعل المعركة مع طهران وأذرعها حاسمة وفاصلة، بما لا يدع طهران للتفكير مطلقا بعدها بتهديد الأمن القومي الإسرائيلي، وبذلك حشدت الولايات المتحدة ومعها بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا قطع بحرية إلى المنطقة، وأسلحة متنوعة، في رسالة تهديد واضحة لإيران من مغبة التورط المباشر مع إسرائيل، عقب ذلك شنت تل أبيب عملية عسكرية على حركة حماس من الجو والبحر فضلا عن الاجتياح البري، رافق ذلك تدمير واسع النطاق لقطاع غزة، كما اغتيل العشرات من قيادات المقاومة، شعرت طهران بالإهانة فدفعت بحزب الله اللبناني للمشاركة لتخفيف الضغط على حركة حماس، فكان الرد الإسرائيلي مزلزلا، إذ تم تدمير قدرات الحزب واغتيال معظم قياداته الميدانية، فقدمت طهران دعما للحوثيين لاستهداف خطوط الملاحة البحرية المرتبطة بإسرائيل وحلفاؤها، فتمثل الرد الأميركي الإسرائيلي في تدمير البنية التحتية والعسكرية للحوثيين بشكل هستيري، حتى أذعنوا على الاستسلام في النهاية.
انتهت الحرب في منطقة الشرق الأوسط أو أوشكت على النهاية، ولكن بنكبة مكتملة المعالم حلت بإيران ومحورها، فقد تمكن الحلف الإسرائيلي من تدمير غزة بشكل كامل، وبما لا يُسمح لحركة حماس من العودة مجددا إلى الحكم، وربما لا يُسمح بإعادة إعمار غزة ذاتها، إيضا حدث تدمير هائل لمقدرات حزب الله وإسقاط هيبته، وبالنسبة للحوثيين أمكن إرغامهم في نهاية المطاف على الاستسلام، بعد تدمير مؤسسات البلد (مدنية وعسكرية)، كما تم تدمير قدرات سوريا واجتياح أراضيها، وإسقاط دولتها، وإهانة إيران في عقر دارها، ذلك كله بفعل اغترار طهران بقوتها وأذرعها، وإقدامها على خطوة متهورة، لم تجن منها سوى المذلة والخزي والعار.