في الرابع من أيار كل عام، يعود اسمٌ أردنيٌّ لامع إلى الواجهة، رجل لم يُخلّد بالتاريخ فحسب، بل خُلّد في ضمير كل من سمع مواقفه. إنه الحاج قبلان مطلق عبدالله العبداللات، الذي مضى إلى رحمة الله في مثل هذا اليوم من عام 1974، تاركًا وراءه إرثًا من المروءة والتسامح والبطولة، ما زال يتردد صداه في حارات ماركا الشمالية وشوارع الأردن.
الموقف الذي دوّن اسمه في سجل الخالدين
في عام 1964، وقع حادث سير مؤلم تسبب بوفاة الطفلة "إيمان"، ابنة قبلان الأولى، ذات الخمسة أعوام. كانت الضحية الوحيدة، أما المتسببون فكانوا حجاجًا أتراكًا متجهين إلى مكة. فماذا كان منه؟
في مشهد يندر أن يُكتب في كتب الأخلاق، أنزل قبلان الحجاج في بيته، أكرمهم وأطعمهم وأسكنهم، وغفر للسائق وأطلق سراحه بنفسه، قائلاً: "هؤلاء ضيوف الرحمن... ولا ذنب عليهم."
رد فعل الديوان الملكي الهاشمي
وصلت القصة إلى أروقة الديوان الملكي، فكانت المفاجأة: الشريف ناصر بن جميل، خال المغفور له الملك الحسين بن طلال، حضر بنفسه لتقديم واجب العزاء، حاملاً دية الطفلة – مبلغًا قدره 333 دينارًا، حسب العُرف العشائري. لكن قبلان رفض المبلغ، وسط ذهول الحاضرين، وقال: "من عفا وأصلح فأجره على الله."
الشريف ناصر وقف، مشيرًا إلى رقبته، وقال:
"العبداللات هم عظام الرقبة... أفتخر بما فعله أبو محمد، وهذه أفعال الرجال."
مقاتل على جبهات البطولة
ولد قبلان في عام 1918، وترعرع في بيت معروف بالكرم والشجاعة، لوالدته الحاجة تمام الخصيلية، ابنة الشيخ حسين أذفيل الشعرات. التحق بالجيش العربي، وشارك في حرب 1948، حيث كان أحد مسؤولي نقل الدبابات بين جبهات القتال.
أبرز مواقفه كانت في معركة قُطعت فيها خطوط الاتصال بنقطة عسكرية استراتيجية. فحين رفض الجميع التقدم خوفًا من القصف، تطوع قبلان بنفسه، رغم عدم كونه مختصًا بالاتصالات، وقال عبارته الشهيرة: "الموت ولا المذلة."
شق طريقه تحت نيران العدو، أعاد الخط، وأنقذ حياة الجنود الذين كانوا محاصرين، وأبلغ القيادة بأنهم بخير.
شارك أيضًا في دعم القوات العربية خلال العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، وظل في الخدمة العسكرية حتى نهاية خمسينيات القرن الماضي.
اسم باقٍ في شوارع الوطن
تكريمًا لمواقفه، أطلقت أمانة عمان الكبرى اسمه على أحد شوارع العاصمة:
"شارع قبلان مطلق العبداللات – ماركا الشمالية"، تخليدًا لسيرة رجل لم تهزمه فاجعة، ولم توقفه حرب.
"اللي خلّف ما مات"
رحل قبلان، لكن نهجه استمر في أبنائه، ومنهم:
المرحوم محمد، المرحوم منير، المرحوم حمد، والكابتن وائل، والمهندس نائل، وعمر. وبناته النشميات: خولة، منتهى، إيمان، أمل، منال، والمرحومة منى.
قبلان العبداللات لم يكن مجرد اسم في وثائق الأحوال، بل كان من أولئك الرجال الذين إذا مرّوا على الأرض، تركوا أثرًا لا يُمحى.
لم يُكرم نفسه وحده، بل كرم وطنًا بأكمله بمواقفه. فرحمة الله عليه، وعلى كل من سار على دربه من النشامى.