تمر الأردن بمرحلة دقيقة وحساسة على المستويين الاقتصادي والسياسي والاجتماعي ، حيث تتراكم التحديات الداخلية والخارجية، وتزداد الضغوط على المواطن والحكومة على حد سواء. فالاقتصاد يعاني من أزمات متتالية، أبرزها ارتفاع الدين العام، وعجز الموازنة، وتباطؤ النمو الاقتصادي، وزيادة نسبة معدلات البطالة والفقر ، إضافة إلى التأثيرات الجيوسياسية التي تجعل من الاستقرار أمراً صعب المنال في ظل التهديدات الإقليمية والدولية المتصاعدة.
أولاً: الحكومة ودورها في ضبط النفقات ومحاربة الفساد
من غير المنطقي أن يُطلب من المواطن وحده تحمل أعباء الأزمة، بينما لا تتخذ الحكومة خطوات جادة وحقيقية في ضبط النفقات ومحاربة الفساد الإداري والمالي. على الحكومة اعادة النظر في الهيئات المستقلة التي اصبحت تشكل عبئا على الدولة ، كما يجب أن تكون هناك شفافية ومساءلة صارمة تجاه أي هدر في المال العام، سواء كان في شكل مشاريع غير ذات أولوية، أو إنفاق غير مبرر على مظاهر البذخ الحكومي، أو تعيينات غير ضرورية تستنزف موارد الدولة.
ويتطلب إعادة هيكلة جذرية في الأولويات الاقتصادية، بحيث يتم التركيز على المشاريع الإنتاجية التي تعود بالنفع على الاقتصاد الوطني، وتوفير بيئة استثمارية حقيقية تشجع القطاع الخاص على النمو والتوسع، بدلاً من أن يظل الاقتصاد معتمداً على الضرائب والاقتراض الخارجي.
كما أن محاربة الفساد يجب أن تكون أولوية قصوى، فلا يمكن لأي إصلاح اقتصادي أن ينجح إذا استمر تسرب الأموال العامة إلى جيوب الفاسدين ، وهذا يتطلب ألى إجراءات تنفيذية حاسمة، تشمل المحاسبة الفعلية لمن يثبت تورطه في استغلال المال العام، واستعادة الأموال المنهوبة، وفرض رقابة صارمة على المؤسسات الحكومية والخاصة.
ثانياً: المواطن ودوره في ترشيد الإنفاق وتغيير العادات الاستهلاكية
لا يمكن إلقاء اللوم بالكامل على الحكومة، فالمواطن أيضاً يتحمل جزءاً من المسؤولية في ظل الأزمة الحالية. إن الإنفاق غير المدروس، والبذخ في المناسبات الاجتماعية، سواء في الأفراح أو الأحزان، بات يشكل عبئاً إضافياً على الأسر، مما يستنزف مدخراتهم ويؤدي إلى تفاقم المشكلات المالية.
لابد من إعادة النظر في العادات والتقاليد التي تفرض على الأسر نفقات غير ضرورية، مثل إقامة حفلات زفاف مكلفة، أو تنظيم مآتم باهظة التكاليف، أو التباهي بالولائم والمظاهر الاجتماعية التي لا تضيف أي قيمة حقيقية للحياة. إن تغيير هذه العادات ليس مجرد خيار، بل أصبح ضرورة ملحة لضمان التكيف مع الظروف الاقتصادية الصعبة.
إلى جانب ذلك، ينبغي أن يتحلى المواطن بالوعي الاستهلاكي، بحيث يتم تقليل الاعتماد على المنتجات المستوردة، ودعم المنتجات المحلية، وتعزيز ثقافة الادخار، والاستثمار في المشاريع الصغيرة التي يمكن أن توفر مصادر دخل إضافية للأسر.
ثالثاً: التضامن المجتمعي والمسؤولية الاجتماعية
في ظل الظروف الراهنة، لا ينبغي أن يترك الفقراء والمحتاجون وحدهم في مواجهة الأزمة، فالمجتمع بكافة فئاته مطالب بتعزيز قيم التكافل الاجتماعي، سواء من خلال المبادرات الفردية أو عبر المؤسسات والجمعيات الخيرية التي تقدم الدعم للعائلات المتضررة.
إن الوقوف مع الفئات الأضعف في المجتمع هو واجب أخلاقي قبل أن يكون مسؤولية اقتصادية، ومن الضروري أن يكون هناك تفعيل لمبدأ "التكافل الاجتماعي” بحيث يتم تقديم المساعدة للأسر التي تضررت من الأوضاع الاقتصادية، سواء عبر التبرعات المباشرة، أو من خلال توفير فرص عمل، أو دعم المشاريع الصغيرة التي تمكن هذه الفئات من الاعتماد على نفسها.
ما يمر به الأردن ليس مجرد أزمة اقتصادية، بل هو انعكاس لواقع سياسي معقد، حيث تتزايد التهديدات الخارجية، وتتصاعد الضغوط الدولية والإقليمية، مما يفرض على الجميع أن يكونوا على دراية بالمخاطر المحيطة بالبلاد. إن حالة عدم الاستقرار في المنطقة، والتغيرات السياسية المفاجئة، والتحديات الأمنية، كلها عوامل تستوجب وعياً مجتمعياً عالياً، ورفضاً لأي محاولات لزعزعة الأمن الداخلي أو استغلال الأوضاع الاقتصادية لإثارة الفوضى.
نحن اليوم في مرحلة يمكن وصفها بحالة " أشبه بحرب. المطلوب من الجميع، حكومة وشعباً، أن يدركوا حجم المسؤولية الملقاة على عاتقهم، وأن يعملوا بروح الفريق الواحد للخروج من هذه الأزمة بأقل الأضرار.
الحكومة مطالبة بالإصلاح الحقيقي، والمواطن مطالب بالترشيد والتكيف، والمجتمع كله مطالب بالتضامن والتكافل. عندها فقط، يمكن للأردن أن يتجاوز هذه المرحلة الحرجة، ويثبت مرة أخرى قدرته على الصمود والتحدي في وجه الأزمات.