"ضليت ادفع حق بخور ومصاري للشيخ حتى تعدى المبلغ 12 ألف دينار"، بهذه الكلمات بدأ ضياء (اسم مستعار) حديثه عن هوسه بالبحث عن الذهب والدفائن منذ 12 عاما.
وضياء هو أربعيني أردني ورب اسرة، ويقول لموقع "خبرني" أنه كان يحلم بالثراء السريع وتحقيق ثروة وتغيير الوضع المادي والفقر والضنك الذي يعيش فيه هو وأسرته.
وتابع ضياء، وهو حالة من حالات كثيرة، أنه تعرض للنصب مرار من أشخاص يقدمون أنفسهم على أنهم شيوخ وخبراء في مجال الذهب والبحث عن الدفائن، مشيرا إلى أن أحد الأشخاص والذي قدم نفسه على أنه خبير وشيخ (يهودي) أخذ منه ومن اقاربه 12 ألف دينار على دفعات، وذلك بعد أن أقنعهم الشيخ المزعوم أنه يوجد لديهم موقع مليء بالذهب والتماثيل الأثرية والتي ستغير أوضاعهم المادية، وأن الموقع يحتاج إلى بخور وغيره لفك (الرصد) وإبعاد (الجن) عن كنزهم المزعوم.
حالة ضياء هي حالة من عشرات حالات الأردنيين الباحثين عن الذهب والثراء السريع في مناطق مختلفة من الأردن، خصوصا أن الارض الأردنية كانت تعج بالحضارات في التاريخ الغابر .
لا إحصائيات
الخطر والصادم في الأمر هو حالات الوفيات اثناء البحث عن الذهب، غير أنه لا يوجد إحصائيات رسمية دقيقة حول الضحايا ، والذين يتوفون غالبا إثر انهيار المغارة التي يحفرون بها.
وتوفي الاسبوع الماضي شاب في محافظة إربد داخل مغارة عميقة وأصيب آخر اثر انهيار أتربة وحجارة عليهما.
وفي 30-6-2022 توفي 3 أشخاص أحدهم من جهاز الدفاع المدني، إذ سقط شخصين في حفرة عمقها 30 مترا في مطبخ أحد المنازل بمحيط الدوار السابع بالعاصمة عمان، إذ أن الشخصين كانا يحفران داخل مطبخ المنزل للبحث عن الذهب، لكنهما سقطا داخل الحفرة، فيما توفي رقيب من الدفاع المدني أثناء محاولة إنقاذهم.
وفي 11-1-2022 توفي شاب خلال بحثه مع ثلاثة أشخاص أخرين عن دفائن اعتقدوا بوجودها في مغارة في منطقة بالقرب من اربد، حيث انهار عليه سقف من التراب أثناء الحفر.
وفي 2021 توفي شخص وأصيب آخر، إثر انهيار أتربة وحجارة عليهما داخل مغارة في منطقة أبو علندا بالعاصمة عمان.
وفي آب 2020 توفي شابان من محافظة الكرك اثر انهيار أحد الغرف القديمة عليهم، أثناء بحثهم عن الدفائن.
ولا تعتبر الحالات السابقة هي الوحيدة، بل هي جزء من حالات مختلفة، غير أنه لا يوجد إحصاء رسمي لها.
أمر خطير !
ويقول الخبير الاقتصادي حسام عايش، "أن يموت الإنسان لانه يبحث عن مصدر دخل هو أمر خطير جدا، وأن يبحث عن مصدر دخل ويدفع حياته ثمنا له فإن ذلك يعني له أنه لا يوجد لديه حل آخر سوا المخاطرة العالية جدا لتأمين دخل للانفاق على أسرته وعليه".
ويتابع عايش في تصريح لموقع "خبرني" إن الكثير من الشباب يشعر أنه مدين لأهله وأسرته وزوجته وأبناءه، مما يدفعه لبذل جهدا خطيرا فيما يتعلق بسداد هذا الدين المعنوي، مشيرا إلى أن الشباب الباحثين عن الذهب والدفائن كثير منهم لا يجد فرصة عمل تؤمن له دخل، ما يدفعهم للبحث عن مصادر دخل.
وأوضح أن ذهاب الشاب للبحث عن الدفائن ودفع حياته ثمنا لذلك هو دليل على أنه لم يعد يثق بأنه سيحصل على فرصة عمل، مضيفا أن البطالة اصبحت جزءا اصيلا من المشهد الأردني.
وزاد: لا يوجد ثقة بأن ما تفكر به الحكومة وتعرضه لتوفير فرص عمل سيؤدي إلى انفراجة حتى يصبر الناس على ما يواجهوه، لذلك هم يذهبون للمجهول للبحث عن مصدر دخل، وهم يعلمون انه خطر عليهم لكنهم من اجل البحث عن الدخل الآمن يعرضون انفسهم لمخاطر هائلة من ضمنها فقدان حياتهم، وهذه أقسى رسالة من الشعب بقوله "نحن نحتاج وظائف".
بحث عن الثراء السريع
ويرى اﻻستشاري التربوي والنفسي الدكتور موسى المطارنة أن البحث عن الدفائن يتركز وجوده لدى الاشخاص الباحثين عن المغامرة والذين يرغبون بالثراء السريع وبطرق سهلة بدون تعب.
ويشرح المطارنة في حديث ل موقع "خبرني" أن الباحثين عن الدفائن يصابون بالخداع النفسي نتيجة لضعف أوضاعهم المادية أو لرغبتهم بالحصول على الثراء دون جهد، موضحا أنهم أناس ليس لديهم طاقات ومهارات يحققون فيها ثروة، مما يجعلهم يبحثون عن وسائل اخرى، " انهم كالغريق الذي يتعلق بقشة".
ويتابع: هؤلاء أشخاص يكونون ضعفاء من الداخل ولديهم هشاشة نفسية وعدم ثقة بالذات وعدم وجود قدرة على التفكير العلمي المنطقي، لذلك ينجرفون وراء اي شيء، وأي كلام يصدقوه، ويصبح شغلهم الشاغل هذا الموضوع.
وأشار إلى أنهم بعد ذلك يقعون في المحظور والأخطاء التي تستنزف جهدهم وطاقتهم دون جدوى، وأنهم أحيانا ينجرون وراء نصابين ومحتالين ويذهبون لمواقع وأماكن تسبب لهم إشكاليات وأضرار.
ليست ظاهرة
ولا يرى المطارنة أن البحث عن الذهب ظاهرة في الأردن، مشيرا إلى أنها تتركز في وجودها بين العاطلين عن العمل أو الشباب المهووسين بالمغامرة، مضيفا أنه في بعض الأحيان يتعرضون للنصب من قبل دجالين ومحتالين ويأخذون منهم أموالا.
ويؤكد أنهم بحاجة لعلاج نفسي ليعودوا إلى الواقع واستثمار جهدهم في شيء مفيد بدل ان يستثمروه في شيء بلا جدوى، وأنه من الممكن ان يستغلو تفكيرهم بالأعمال التجارية وأعمال حقيقية بدل الضياع والتشرد وهدر الوقت والمال، موضحا أن الباحثين عن الدفائن دائما يتحدثون بتوقعات عالية.
ماذا يقول القانون الأردني؟
وبالرجوع إلى أحكام القانون المدني، فإن المادة (1078) منه تنص على أن الكنوز والمعادن وغيرها التي يعثر عليها في أرض مملوكة لشخص معين تكون مملوكة له وعليه الخمس للدولة، كما تنص على أن الكنوز والمعادن التي تكتشف في أرض مملوكة للدولة تكون مملوكة لها كلها أما إن كانت الأرض موقوفة وقفاً صحيحاً فإن ما يكتشف يكون لجهة الوقف.
ومن الناحية القانونية تشير المادة (14) من قانون الآثار رقم (21) لسنة 1988 وتعديلاته، إلى أنه يحظر على أي شخص طبيعي أو معنوي القيام بأية حفريات في المواقع الأثرية بحثا عن الدفائن الذهبية أو أي دفائن أخرى.
كما أشارت المادة (27) من القانون ذاته والذي اطلع عليه موقع "خبرني"، إلى أنه "يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن شهرين ولا تزيد على سنتين أو بغرامة لا تقل عن 500 دينار، وبما يتناسب مع قيمة الأثر كل من اكتشف أوعثر على آثار صدفة أو علم باكتشافه أوالعثور عليه ولم يبلغ وفقا لأحكام القانون”.
ويتضح من خلال النصوص السابقة أن قانون الآثار قد جاء واضحا من حيث اعتبار جميع الدفائن والكنوز الأثرية الموجودة في أرض المملكة حقا للدولة، كما رتب القانون على من يجدها (ولو بمحض الصدفة) التزاما أن يسلم هذه الآثار، ويبلغ السلطات المختصة، وعند مخالفة هذه الأحكام يترتب على ذلك إنزال العقوبة اللازمة في حق المخالفين