يوم الإثنين المقبل، الموافق 27 أيلول 2021، سوف يكون يوماً حاسماً لمدينة الفحيص وللأردن ـ الوطن قبل ان يكون حاسماً لشركة لافارج. إذ ستعقد الهيئة العامة للدائنين، في إطار معالجة إعسار الشركة، اجتماعاً لمناقشة خطة إعادة تنظيم الشركة، المقدّمة من طرف وكيل الإعسار.
نُشر الكثير حول هذه الخطة في وسائل الإعلام، كما أنها خضعت خلال الأيام الماضية لدراسة وتمحيص من قبل خبراء اقتصاديين وقانونيين. يكادُ هؤلاء أن يُجمعوا على أن إقرار هذه الخطة، كما وردت من وكيل الإعسار، يُشكّل «كارثة حقيقية» ليس فقط بالنسبة للفحيص، بل للإقتصاد الأردني؛ وهي امتحان عسير لمدى احترام قانون الإعسار نفسه وجدّية تطبيقه، بإعتبار قضية لافارج هي الأولى التي يسري عليها تطبيق ذلك القانون.
يقول خبراء درسوا الخطة المقترحة بتمعن بأنها غير موثّقة ويشوب العديد من نقاطها الإبهام والغموض، كما أن العديد من بنودها تتعارض مع قانون الإعسار نفسه. وتفتقد في العديد من منطلقاتها وأحكامها والمقترحات التي تقدمها إلى الخبرة الفنية المحاسبية والمالية؛ وتُبالغ في توقعاتها، وتُخفي حقائق ومعلومات عن اداء الشركة في السنوات القليلة الماضية، بخاصة التقرير المحاسبي النهائي، بغرض تسويغ مقترحاتها وإظهارها بصورة «مقنعة» للدائنين.
تريد الخطة سلب موظفي الشركة ومتقاعديها حقوقهم الإجتماعية، وإلقاء هذا العبء على كاهل مؤسسة الضمان الإجتماعي..في حين أن هذه الحقوق محميّة ومعززة من خلال قانون العمل والإتفاقيات المذيّلة بتوقيع الشركة مع نقابة العمال تحت إشراف وزارة العمل. فضلاً عن ذلك، تلك الحقوق محمية ومعززة بالإتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان المصادق عليها من طرف الدولة الأردنية، وأبرزها العهد الدولي للحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية. هذه سابقة ـ إذا ما أقرّت ـ فإنها سوف تغري شركات أخرى عديدة للتملص من واجباتها تجاه موظفيها من خلال قانون الإعسار.. كما يُطرح السؤال على لافارج : «لو كانت هذه الحالة في فرنسا، هل كانت ستجرؤ على التصرف على ذلك النحو الوارد في الخطة؟»
الأمر الآخر غير المقبول هو عدم تسجيل ديون الشركة على بلدية الفحيص، والبالغة 85 مليون دينار، واعتبارها ضمن «الدين غير المضمون». في هذا السياق، لاحظ محللون بأن وكيل الإعسار يمارس محاباة دائنين على حساب دائنين آخرين، في حين أن المفترض أن يكون وكيل الإعسار محايداً وحريصاً على إقامة التوازن بين حقوق الدائنين وحماية هذه الحقوق. ويُضيفون بأن وكيل الإعسار قد قصّر في عمله من الناحيتين الإجرائية والموضوعية، وظهرت للعيان عدم كفاءته، فهو مدقق حسابات وليس لديه خبرة أو اطلاع على تفاصيل صناعة الإسمنت وانتاجه !. في الواقع، تسعى الشركة إلى التهرّب من التزاماتها تجاه بلدية الفحيص؛ أموال البلديات في الأردن ليست «سائبة»، بل هي أموال عامة يحميها القانون. ويَردُ في الخطة عزم الشركة بيع 273 دونماً من أراضي الفحيص ؛ يثير ذلك مخاوف أهالي الفحيص وقلقهم. أين هو موقع هذه الأراضي ؟ وهل هي خاضعة لإعادة التأهيل؟ ومنْ الذي سيقوم بذلك: شركة لافارج المسؤولة عن ذلك وفق القانون، أم المالك الجديد؟ الحقيقة الصارخة والتي يجب التوقف عندها ملياً : حقوق الفحيص غائبة في الخطة المطروحة، وكأن واضعيها لا يهمهم سوى «إثراء» شركة لافارج من خلال ما يسمى «إعسار»، ضاربين بعرض الحائط حقوق ومصالح الأطراف الأخرى المتضررة من أخطاء وخطايا لافارج التي يُراد التغطية عليها الآن وفي المستقبل.
كذلك، من باب التناقض في الخطة، يتساءل بعض الخبراء : كيف تريد الشركة بيع الأراضي المقام عليها المصنع، وفي الوقت نفسه تؤكد بأن ذلك سيساعد على إعادة نشاطاتها الإنتاجية ؟ ويلاحظون أيضاً بأن توقعات الإيرادات والأرباح من التشغيل في ظل وجود منافسة حقيقية ـ هذه التوقعات صعبة التحقيق بل تكاد تكون غير ممكنة. ومن باب التناقض أيضاً أن قانون الإعسار يضع أمام إعادة تنظيم الشركة واحداً من أمرين : جدولة الديون أو إعادة هيكلة الشركة. أما الخطة فإنها تلجأ إلى هذين الخيارين معاً، وفي هذا مخالفة لقانون الإعسار نفسه. على صعيد آخر، لا يؤدي تنفيذ الخطة إلى إعادة تحديد حقوق الدائنين؛ إذ منحت الخطة الشركة صلاحية تأخير سداد أية دفعة استحقت الدفع، وهذا مخالف لبنود في المادة 79 من قانون الإعسار.
حقاً، يتعذر التصويت على الخطة المقدمة نظراً للثغرات الكبيرة والبنود المتناقضة مع قانون الإعسار الواردة فيها. ولذلك، فإنه، من أجل تكريس سيادة القانون، واحترام حقوق جميع الأطراف، وللحيلولة دون وقوع المزيد من الفساد في هذا الملف المعقّد.. فإن الهيئة العامة للدائنين سوف تُحسن صنعاً، وسوف تقوم بعمل عظيم ومفيد للوطن، وليس فقط للفحيص، فيما لو اتخذت قراراً الإثنين المقبل برد الخطة المقترحة إلى وكيل الإعسار، ومطالبته بإعادة صياغتها بما ينسجم مع قانون الإعسار والمتطلبات المحاسبية والمالية الواضحة والمفهومة، واحترام حقوق جميع الأطراف، وتوخّي الواقعية في الحلول المطروحة.